للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

من غير حصر، ولكن الخصوص وهو غير الله هو المنكر وحده ومع غيره وكذلك:

إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (١) وعبادتهم إياهم منكرة من غير حصر، وكذلك قوله: آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٢) المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر، فمن هذا كله يعلم أن الحصر فى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٣) من خصوص المادة لا من موضوع اللفظ، بل أقول: إن المصلى قد يكون مقبلا على الله وحده، لا يعرض له استحضار غيره بوجه من الوجوه، وغيره أحقر فى عينه من أن يشتغل به فى ذلك الوقت يبغى عبادته وإنما قصد الإخبار بعبادة الله وأول ما حضر بذهنه عظمة من هو واقف بين يديه، فقال:

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ليطابق اللفظ المعنى، ويقدم ما يقدم حضوره فى القلب وهو الرب سبحانه وتعالى، ثم بناء عليه ما أخبر به من عبادته فمعنى اختصاصه بالعبادة اختصاصه بالإخبار بعبادته، وغيره من الأكوان لم

يخبر عنه بشئ، بل هو معرض عنها، وإذا تأملت مواقع ذلك فى الكتاب والسنة وأشعار العرب تجده كذلك ألا ترى قول الشاعر:

أكلّ امرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا

لو قدرت فيه الحصر بما وإلا هل يصح المعنى الذى أراده؟ وقد قال الزمخشرى فى تفسير قوله تعالى: وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤): وفى تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هم تعريض بأهل الكتاب وما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه من آمن: بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ * وهذا الذى قاله الزمخشرى فى غاية الحسن، وقد اعترض بعض الناس عليه فقال: تقديم الآخرة أفاد أن إيقانهم مقصور على أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها، وهذا الذى قاله هذا القائل بناه على فهمه من أن تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك لما بيناه، ثم قال هذا القائل: وتقديم هم أفاد أن هذا القصر مختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيمانا بغيرها حيث قالوا: لَنْ يَدْخُلَ ولَنْ تَمَسَّنَا (٥) وهذا من هذا القائل استمرار على ما فى ذهنه من الحصر، أى: أن المسلمين لا يوقنون إلا


(١) سورة سبأ: ٤٠.
(٢) سورة الصافات: ٨٦.
(٣) سورة الفاتحة: ٥.
(٤) سورة البقرة: ٤.
(٥) سورة البقرة: ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>