عائد إلى الكل، وعند أكثر من ذهب إلى أن الاستثناء عائد إلى الأخير حتى نقل بعضهم الإجماع على ذلك، وإذا
كانت اللغة تقضى بعود الشرط إلى الجمل السابقة فلو أردت أن الشرط عائد إلى الأخيرة امتنع العطف، كقولك: الإسلام حق والكفار فى النار إن لم يتوبوا، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يقول: إن ما قبل الشرط جواب على رأى الكوفيين، أو دليل جواب على رأى البصريين هذا فى الشرط بإن أما الشرط بإذا، وهو الذى نصّ عليه أهل هذا العلم ففيه بحث شريف، سأذكره حيث ذكره المصنف - إن شاء الله تعالى - وأما غير ذلك من القيود فلم يتعرضوا له، والذى يظهر أن يقال: أما الاستثناء فإن كان بعد الجملتين ففيه الخلاف المشهور فى عوده إليهما أو إلى الأخيرة إن قلنا: يعود إلى الأخيرة فلا يمنع أن تعطف الجملة التى فيها الاستثناء على جملة استثناء فيها، وإن قلنا: يعود إلى الجميع فيمتنع أن تعطف الجملة المذكورة على جملة لا تريد أن تستثنى منها شيئا إلا بقرينة؛ لأن ذلك حكم للثانية لا تريد أن تعطيه للأولى، ومثاله: أكرم الناس واقتل المشركين إلا أباك، تريد الاستثناء من الأخير فقط وإن كان الاستثناء بين الجملتين، فهل هو كما لو كان بعدهما وإذا أردت أن لا تستثنى من الثانية امتنع الوصل أو لا؟ لم أر فيه نقلا فيحتمل أن يقال: إن الأمر كذلك؛ لأن علة تعدى الاستثناء الأخير إلى الجميع أن العطف يصيّر المتعدد كالمفرد، وهذا المعنى حاصل تقدم الاستثناء أم توسط وقد يقال: إن (إلا) من شأنها أن تخرج مما قبلها لا مما بعدها، لأن الأصل فى المستثنى منه أن يكون مقدما على المستثنى، ويحتمل أن يقال: إن قلنا العامل فى المستثنى هو إلا كما هو الصحيح عند سيبويه والمبرد فلا يتعدى الاستثناء إلى الجملة بعده؛ لأنه يلزم منه تأخير المستثنى منه عن المستثنى والمنسوب إليه معا، وهو ممتنع عند الجمهور، وقد حملوا على الشذوذ قول الشاعر:
خلا الله لا أرجو سواك فإنّما ... أعدّ عيالى شعبة من عيالك (١)
(١) البيت من الطويل، وهو للأعشى فى خزانة الأدب ٣/ ٣١٤، وبلا نسبة فى جواهر الأدب ص ٣٨٢، وحاشية يس ١/ ٣٥٥، والدرر ٣/ ١٦٤، وشرح الأشمونى ١/ ٢٣٧ وشرح التصريح ١/ ٣٦٣، وشرح ابن عقيل ص ٣١٧، ولسان العرب ١٤/ ٢٤٢، (خلا)، والمقاصد النحوية ٣/ ١٣٧، وهمع الهوامع ١/ ٢٦٦، ٢٣٢، وفيه:" وإنما" مكان" فإنما".