للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونحو قوله [من الطويل]:

أقول له ارحل لا تقيمنّ عندنا ... وإلّا فكن فى السّرّ والجهر مسلما

فإنّ المراد به إظهار كمال الكراهة لإقامته، وقوله: (لا تقيمنّ عندنا) أوفى بتأديته؛ لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد؛ فوزانه وزان حسنها فى: أعجبتنى الدار حسنها خ خ؛ لأنّ عدم الإقامة مغاير للارتحال، وغير داخل فيه، مع ما بينهما من الملابسة.

ــ

المرسلين واتباع من لا يسأل أجرا ليسا كبدل الاشتمال ومبدله لأن الاتباع الأول لم يشتمل على الاتباع الثانى بل هو هو وهذا بخلاف أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١) فإن نفس الإمداد والأنعام والبنين بعض من الإمداد العام بما تعلمون، ومثّله المصنف بقوله:

أقول له: ارحل لا تقيمنّ عندنا ... وإلّا فكن فى السّرّ والجهر مسلما (٢)

فإن لا تقيمن عندنا أوفى بتأدية المعنى المقصود من كراهتهم المقام عندهم من قولهم؛ لأن لا تقيمن يدل على ذلك بالمطابقة مع التأكيد، بخلاف ارحل فإنه يدل عليه بالتضمن، وينبغى أن يقال: يدل على النهى عن الإقامة بالمطابقة، وارحل يدل عليه لا بالمطابقة فإنا قد نمنع أن يكون لا تقيمن يدل على الكراهة بالمطابقة، ومع ذلك لا يصح أن يكون ارحل يدل على لا تقيمن بالتضمن إلا بعد التفريع، على أن الأمر بالشئ يتضمن النهى عن ضده، قلنا: باللازم أو لا يدل فليس مما نحن فيه، ووزان كل من الجملة الثانية فى الآية الكريمة والبيت وزان حسنها فى قولك: أعجبتنى الجارية حسنها (لأن عدم الإقامة مغاير للارتحال) يعنى: أن حقيقتهما مختلفة، أى: لا يتوهم أنهما شئ واحد فيكون بمنزلة بدل الكل بل أحدهما ملزوم والآخر لازم.

وقوله: (وغير داخل فيه) يعنى: ليس عدم الإقامة داخلا فى مدلول الرحيل وهذا صحيح؛ لأن العدم لا يدخل فى الموجود لكن الذى قصده لا يصح؛ لأنه يعنى: أنه بدل اشتمال وأن ارحل يلزم منه مضمون لا تقيمن، فكأنه يريد: أن الأمر بالشئ يستلزم النهى عن ضده؛ لكن لا يصح أن يعبر عن ذلك بالعدم، فإن مدلول لا ترحل


(١) سورة الشعراء: ١٣٢.
(٢) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة فى الإشارات للجرجانى ص ١٢٣، وكذا خزانة الأدب ٥/ ٢٠٧، ٨/ ٤٦٣، ومجالس ثعلب ص ٩٦، ومعاهد التنصيص ١/ ٢٧٨، ومغنى اللبيب ٢/ ٤٢٦، وعقود الجمان ص ١٧٨، والإيضاح ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>