(قلت): ولا شك أنه عنده على خلاف الأصل. (فإن قلت): فما الفرق بين هذا الدليل والذى قبله وما الفرق فى المعنى بين الوصف والحال؟ (قلت): الحال والوصف مشتركان فى أن المسند فيهما مقيد، فإنك إذا قلت: جاء زيد العالم، كنت مخبرا بمجئ مقيد بكونه صادرا من عالم، كما أن جاء زيد عالما إخبار بمجئ مقيد بكونه من عالم، ويشتركان فى اقتران الصفة بالموصوف والحال تصاحبها، فإن قولك: جاء زيد العالم، معناه: العالم وقت المجئ، وهذا معنى قولهم: اسم الفاعل حقيقة فى الحال، ليس المراد منه حال النطق، بل حال تعلق النسبة فتأمله؛ فقد غلط فيه بعض الأكابر، غير أن دلالة الحال على المقارنة أقوى من دلالة الصفة، ألا ترى أن الحال لا تقع ماضية فلا تقول: جاء زيد اليوم راكبا أمس، واسم الفاعل يطلق على الماضى مجازا مشهورا أو حقيقة، على الخلاف المشهور، ووقوع الحال مقدرة مرادا بها الاستقبال مجازا، ثم يفترقان أيضا بأن الحال محكوم بها بمعنى أن المتكلم قصد الإخبار بالمجئ وبالركوب، بخلاف" جاء زيد الراكب"، فإن المتكلم إنما قصد الإخبار بالمجئ.
وبعد أن كتبت هذا رأيت بخط والدى - رحمه الله - ما نصه: إذا قلت: جاء زيد راكبا، فقد أخبرت بمجيئه وبأنه كان
راكبا فهما خبران يحتمل أن يصدقا أو يكذبا أو يصدق أحدهما ويكذب الآخر، والخبر عن الحال تابع للخبر عن الذات، وهو مقيد للخبر لا للمخبر عنه وبيان لصفة الخبر لا لصفة المخبر عنه، وأما الصفة فهى مقيدة للمخبر عنه لا للخبر، وذلك أن زيدا إذا قلت:" الراكب" قيدته قبل أن تخبر عنه، فإذا أخبرت عنه بالمجئ فالإخبار حصل عن ذلك المقيد فهو خبر واحد لا خبران فليس فيه إلا صدق أو كذب، فالحال تابع للخبر والحكم تابع للصفة فافهم ذلك، انتهى.
وهو موافق لما قلته غير أن فيه فرقا بين الحال وصفة المسند إليه، لا بين الحال وصفة المسند فى قولك: جاء زيد الضارب الراكب، وقولك: زيد الضارب راكبا، والفرق أن صفة المسند ليس حكما بالركوب؛ بل ذكره عرفنا أن الضارب المذكور إنما أريد به المتصف بالركوب، وسبيله سبيل قولك: زيد الضارب مقتصرا عليه مريدا به الراكب من الضاربين، وأن الأداة عهدية واستفادة هذا القيد من كون المقيد يستحيل وجوده دون قيده، ويستحيل وجود الموصوف دون الصفة بخلاف الحال فإنك قصدت فيها إفادة وقوعها. (فإن قلت): يلزمكم عدم صحة تكذيب النصارى