للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فدخل فيه الوهمى، أى: ما هو غير مدرك بها (١)، ولو أدرك لكان مدركا بها؛ كما فى قوله (٢) [من الطويل]:

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

ــ

تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٣) قاله المصنف وغيره: وقد يقال: إنه خيالى؛ لأن الرءوس والشياطين مدركة بالحس؛ لأن الجن يرون، أما الممتنع فالمركب بالإضافة.

على أنه قيل فى الآية: إن رءوس الشياطين ثمرة قبيحة لشجر منكر الصورة، وقيل:

الشياطين الحيات حكاهما ابن رشيق وغيره. وأورد على المصنف أنه حكم بأن الوهمى ما ليس مدركا بالحواس الظاهرة، ولو أدرك لكان مدركا بها، وعبارته فى الإيضاح: لما كان مدركا إلا بها فيلزم أن لا يكون الوهمى مدركا أصلا، والفرض أنه مدرك قطعا.

وأجيب عنه بأن مراده لو أدرك فى الخارج، لكان مدركا بالحواس لا أنه لا يدرك ابتداء إلا بها، وأورد عليه أنه ممنوع لأنا إذا قدرنا مثلا للمنية شيئا كالأظفار، فهذا لو وجد فى الخارج لما كان مدركا بالحواس الظاهرة؛ لأنه صفة المنية، وصفة العقلى لا يكون محسوسا إذا وجد، ومن الوهمى قول امرئ القيس:

أيقتلنى والمشرفىّ مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

والمشرفى: صفة السيف نسبة إلى مشرف مفرد مشارف، وهى قرى من أراضى العرب، وإنما جعل ذلك من الوهميات؛ لأن الغول لا وجود له، كما ثبت فى الصحيح قوله صلّى الله عليه وسلّم:

" ولا غول" (٤) وما فى الصحيح من قوله صلّى الله عليه وسلّم لأبى هريرة - رضى الله عنه -:" إنك تكلم الغول منذ ثلاث" (٥) فهو الشيطان، وجعل رءوس الشياطين من الوهمى إشارة إلى أن الشيطان لا رأس له، وأصحابنا ذكروا فى الطلاق لو قال لزوجته: إن لم تكونى أطول شعرا من إبليس، فأنت طالق، قالوا: لا يقع الطلاق للشك.


(١) أى بإحدى الحواس الخمس الظاهرة المذكورة.
(٢) شطر بيت لامرئ القيس ديوانه ص ١٥٠، والإيضاح ص ٣٣٦ صدره:
أيقتلنى والمشرفى مضاجعى
(٣) سورة الصافات: ٦٥.
(٤) أخرجه مسلم فى" السّلام"، باب: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة .... (ح ٢٢٢٢)، عن جابر رضى الله عنه ولفظه:" لا عدوى ولا طيرة ولا غول".
(٥) أخرجه البخارى فى" الوكالة"، باب: إذا وكل رجلا فترك الوكيل شيئا .... (٤/ ٥٦٨)، (ح ٢٣١١)، وفى" التفسير"، وهو حديث أبى هريرة عند ما وكله النبى صلّى الله عليه وسلّم بحفظ زكاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>