للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يتسامح بذكر ما يستتبعه مكانه؛ كقولهم للكلام الفصيح: هو كالعسل فى الحلاوة خ خ؛ فإنّ الجامع فيه لازمها، وهو ميل الطبع.

ــ

(قوله: وقد يتسامح) أى يتسامح المتكلم (بذكر ما يستتبعه) أى ما يستتبع وجه الشبه، ويستلزمه، ومثله المصنف بقولهم للكلام الفصيح: هو كالعسل فى الحلاوة، فإن الجامع فيه لازمها - أى لازم الحلاوة. (وهو ميل الطبع) إليها وليس الجامع الحلاوة؛ لأن الكلام ليس فيه حلاوة حقيقية، بل فيه ما يوجب ميل الطبع إليه، وكأن المصنف يشير إلى أن هذا معدود من قسم ما ذكر فيه الوجه، وإن لم يذكر؛ لأنه ذكر ملزومه فهذا وجه التسامح، لأن المتكلم اكتفى بالملزوم عن اللازم.

قال الخطيبى: المراد قد يتسامح علماء البيان، وبه صرح فى المفتاح، ولعل المراد:

قد يتسامحون فى جعل هذا التشبيه مفصلا مذكور الوجه، وإن كان وجهه ليس مذكورا.

بقى هنا أسئلة:

الأول: أن قولهم: إن الحلاوة ليست وجه الشبه، فيه نظر؛ فإن الحلاوة إن لم تكن موجودة بالحقيقة فى الكلام، فهى موجودة بالتخيل، فهو من الجامع الخيالى، كما تقدم فى السنن والابتداع.

الثانى: أنه أى فرق بين هذا، وبين قولهم: لا يدرى أين طرفاها؟ فإنه ذكر فيه ما يستلزم وصف المشبه، إذ يلزم منه الاستواء الذى هو وجه الشبه فيهما، فلأى شئ جعل ذلك مجملا، وهذا مفصلا؟

الثالث: أن الحلاوة تستلزم الميل إليها، والميل إليها وصف خاص بها، فهو يستلزم وصف المشبه به لا الوجه نفسه، وهو مطلق الميل كما أن طرفى الحلقة إنما يستلزم استواءها، لا استواء المشبه.

(قلت): الظاهر أن المراد بالوصف هو الوصف المعنوى، لا الصناعى، وأن المراد ذكر وصف مع التشبيه، سواء أكان فى جملته أو له به تعلق لفظى، أم لم يكن. ألا ترى أن: لا يدرى أين طرفاها، لا يصلح صفة نحوية؛ لأن الحلقة معرفة، ولا يدرى نكرة، وأن البيت الأول فى قوله: صدفت عنه، ليس له تعلق لفظى بالمشبه، بل هو وصف معنوى له، وأن: إن جئته فى البيت الثانى، لا يصلح صفة للغيث؛ لتنكيره، وبهذا ظهر الجواب عما أورده على ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>