للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتنافر (١): كقوله [من الرجز]:

وليس قرب قبر حرب قبر

ــ

ليس ضعفا فى الكلام فإن الكلام هنا هو الفعل وفاعله الضعف، إنما جاء هنا من إضافة الغلام، أو من تأخر المفعول بعد تقدم ضميره، وذلك أمر دائر بين الفاعل وما أضيف إليه، أو بين المفعول وغيره لا من الكلام، أو نقول: الضعف فى استعمال هذا الضمير مخل بفصاحة الكلمة لا الكلام، وهذا بعض ما قدمت الوعد به، وبه تبين أن مراده بالكلام ما زاد على كلمة من الجملة، وما يتعلق أو يتصل بها، ثم ذلك الضعف ربما كان فى النثر دون الشعر؛ لأن ضرورة الشعر كما تجيز ما ليس بجائز، فقد تقوى ما هو ضعيف فعلى البيانى أن يعتبر ذلك، فربما كان الشئ فصيحا فى الشعر غير فصيح فى النثر، ولذلك جوز جماعة: ضرب غلامه زيدا فى الشعر فقط، وابن مالك المجوز لهذا فى النثر، لا ندرى هل يوافق على ضعفه فى الشعر أو لا؟ فإن قلت: الضعف فى ضرب غلامه زيدا إنما حصل من الحركة الإعرابية، لا من مادة الكلمة، وقد قدمتم أن ضعف حركة الإعراب لضرورة أو غيرها، لا يقدح فى الفصاحة. قلت: ذلك بالنسبة إلى فصاحة الكلمة المفردة فضعف حركة إعرابها لا يخل بفصاحتها، لكنه قد يخل بفصاحة مجموع الكلام الذى فيه تلك الكلمة إذا أوجب تعقيدا، كما نحن فيه، وقد لا يخل بفصاحة الكلام، إذا لم تتعلق تلك الضرورة بالمعنى، كصرف المنصرف، وعكسه. فإن الإفادة التى هى مقصودة من الكلام، لا تختل بذلك فليتأمل. وقد تلخص من ذلك أن ضرورة حركة الإعراب، لا تخل بفصاحة الكلمة أبدا، وتخل بفصاحة الكلام تارة دون أخرى.

(قوله: والتنافر كقوله: وليس).

يشير إلى قول الشاعر:

وقبر حرب بمكان قفر ... وليس (قرب قبر حرب قبر) (٢)


(١) هو أن تكون الكلمات ثقيلة على اللسان وإن كان كل منها فصيحا.
(٢) الرجز أنشده الجاحظ كما فى دلائل الإعجاز ص ٥٧، والإيضاح ص ٢٦ ونهاية الإيجاز لفخر الدين الرازى ص ١٢٣. من الرجز مجهول القائل: ويدعى بعض الناسبين أنه لجنى رثى به حرب بن أمية جد معاوية بعد أن هتف به فمات.
والقفر: الخالى من الماء والكلأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>