للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنهى عنه قوله [من المنسرح]:

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زرّ أزراره على القمر

وردّ: بأن الادعاء لا يقتضى كونها مستعملة فيما وضعت له، وأمّا التعجّب، والنهى عنه: فللبناء على تناسى التشبيه؛ قضاء لحقّ المبالغة.

ــ

لا تعجبوا من بلى غلالته ... قد زرّ أزراره على القمر (١)

ومنه قوله:

ترى الثياب من الكتّان يلمحها ... نور من البدر أحيانا فيبليها

فكيف تنكر أن تبلى معاجرها ... والبدر فى كلّ وقت طالع فيها (٢)

وتسميتهم هذا تعجبا نظرا إلى اللغة، فإن قوله:" من عجب" ليس تعجبا اصطلاحيا، وهذان البيتان أحسن مما قبلهما، فإن الذى يقال: إنه يبلى بنور القمر: هو الكتان، لا مطلق الغلالة. ووجه التعجب أن الشمس الحقيقية لا تظلل من الشمس؛ لأنها تحتاج إلى ما يظلل منها لنورها، والبدر الحقيقى يتعجب من عدم تأثيره فى بلى الكتان، فلو لم يكن حقيقة لما تعجب، ورد على هذا القائل فيما احتج به. أما قوله:

إنها لم تطلق على المشبه إلا بعد ادعاء دخوله فى جنس المشبه به، فذلك لا يخرج اللفظ عن كونه مستعملا فى غير ما وضع له، فإن قلت: كيف لا يخرجه (٣) وادعاء أنه أسد حقيقى كقوله: هذا أسد حقيقى وذلك يصيره حقيقة. قلت: لأن ادعاء ذلك ليس حقيقيا، بل ادعاء مجازيا. وفيه نظر، فإن الادعاء المجازى مضمون الجملة لا مضمون الاستعارة فقط، وأما التعجب والنهى فللبناء على تناسى التشبيه قضاء لحق المبالغة، وفيهما أيضا نوع تجوز، ويحتمل أن يقال: الاستعارة هنا أصلها التشبيه من كل وجه مبالغة، فهو كالتشبيه المشروط فى نحو قوله:


(١) البيت لابن طباطبا العلوى، وهو الحسن محمد بن أحمد المتوفى سنة ٣٢٢ هـ، الطراز ٢/ ٢٠٣، نهاية الإيجاز ص ٢٥٣ والمصباح ص ١٢٩، انظر الإيضاح بتحقيقى ص ٢٥٩.
(٢) البيتان لأبى المطاع ناصر الدولة بن حمدان، أسرار البلاغة ج ٢ ص ١٦٨، المفتاح ص ٣٧١، الإشارات ص ٢١٠، الطراز ج ١ ص ٢١٣، والمصباح ص ١٣٠، والإيضاح بتحقيقى ص ٢٥٩.
(٣) قوله: وادعاء أنه أسد إلخ هكذا فى الأصل وفى الكلام سقم ظاهر فحرره كتبه مصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>