فقلت: فكيف وجه بينة المدعي لحقه وما حد إثباته إياه؟
فقال لي: إن شاء بدأ يقاضيه قاضي مكة، فرفع إليه أمره، وأثبت عنده بينته على أن الدار له ـ إن كانوا يعلمونها له ـ أو على الوجه الذي يريد إثباته، ثم يكتب له بذلك إلى قاضي المدينة.
وإن أراد أن يوكل وكيلًا أثبت وكالته أيضًا عند قاضيه قاضي مكة، ثم وجهه بالكتاب إلى قاضي المدينة، فاستعدى على الذي يدعي الدار عليه، فإذا واضعه الخصومة فسأله القاضي عن بينته ومنفعته، أخرج كتابه بالذي قد أثبت عند قاضي مكة، فإذا ثبت الكتاب عند قاضي المدينة لزمه قبول ما فيه من إيقاع البينة، وما يرجو في المدعي من إدراك حقه، وقرأه على المدعى عليه، وقال له: هلم المخرج إن كان لك من هذا مخرج، وإلا أنفذت الحكم عليك إن تبين له إنفاذه.
قلت: فلو كان المدعي أو وكيله لم يكن جاء بكتاب من قاضي مكة بإيقاع بينة، وإنما قدم على المدعى عليه فاستعدى عليه قاضي المدينة؟
قال: فينبغي لقاضي المدينة إذا هو علم أن بينته بمكة - حيث الدار ومنافعه ـ أن يكتب له إلى قاضي مكة بأن يسمع من بينته، ثم يكتب بذلك إليه، ويؤجل له على قدر المسافة ووجه مطلب الأمر.
ابن حبيب: وسألت عن ذلك ابن الماجشون.
فقال لي: إنما يكون النظر إلى قاضي مكة، حيث المدعي والشيء الذي ادعي، ويسمع من بينته وحجته، ويضرب لصاحب الدار أجلًا على حال ما يصنع بالغائب، وإن كان المدعي بغير مكة بحيث تكون الدار التي ادعي فيها، فإذا جاء صاحب الدار [. … ] على الدفع على نفسها.