ابن حبيب: وسمعت مطرفًا وابن الماجشون يقولان: إذا قضي للرجل على الرجل بالربع أو الدار أو غير ذلك من الأشياء، فلم يخرجه المقضي له من يد المقضي عليه حتى تطاول شأنه وتقادم زمانه وحازه عليه بعد أن قضي له به فلا نرى القضية هاهنا إلا بمنزلة ذكر حق مكتوب للرجل على الرجل يتقاضاه منه إذا أحب.
قلت لهما: ولا تريانه هاهنا ينتفع بحوزه عليه؟ ويكون بمنزلة ما لو حاز عليه منزله المعروف له باشتراء أو وراثة الزمان الطويل؟
فقالا لي: يكون هذا بمنزلة الذي ذكرت؛ لأن القضاء قد نطق عليه بأن لا حجة له فيه ولا حق، فكأنه بمنزلة رجل أعار رجلًا حقًا، فكتب عليه بعاريته كتابًا، فتقادم بذلك في يديه الزمان الطويل، فلا ينتفع بحيازته تلك؛ لأنه أمر قد عرف مدخله فيه بما حاز، وإنما ينتفع بالحيازة صاحبها إذا لم يعرف مدخله فيه، فيدعيه ملكًا لنفسه، فيكون أولى به لما تقادم من الزمان فيه، وتطاول من الشأن، ودرس من العلم به، وباد من الشهود عليه.
وأما ما شهد على أصل دخوله فيه أنه على غير حق، فهو على مثله أبدا حتى يأتي بأمر يتحققه به من شراء أو صدقة أو هبة، وما أشبه ذلك، إلا أن يطول زمان ذلك جدًا كالخمسين سنة ونحوها، والزمان الذي لا تخفى الحقوق معه، أو يكون المقضي عليه قد أحدث فيه أو في بعضه بنيانًا أو غراسًا أو بيعًا أو صدقة أو إصداقًا، والمقضي له قائم لا يغير ولا يدعي