قوابله, ولا ينسى داراً فيها قبائله، فإني وإن ألبستني المحروسة نعمًا, ورفعت لي بين أمثالي علمًا, وكانت أم الوطن العامِّ, وولية الآلاء والأنعام, وأحبها حبًّا جمًّا؛ لأنها ولية النعما.
وقضيت فيها الأربعين مجاورًا ... كرام السجايا والبحور الطواميا
فلا زلت أتشوق إلى وطني الخصوصي, وأتشوق وأتطلع إلى أخباره السارة وأتعرف، ولا أساوي "بطهطا" الخصبة سواها في القيام بالحقوق وإكرام مثواها.
منازل لست أهوى غيرها سقيت ... حبًّا يعم وخُصَّتْ بالتحيات
وأمنحها زمنًا بعد زمن الزيارة, وأجد فيها من هبات الحكومة بالعمارة, وأبذل في محبتها النفيس والنفس لتحصيل الأراضي للزرع والغرس، وأفتخر بها كما افتخر -عصام- بالنفس, وأنشد قول الحافظ كمال الدين الأدفوي:
أحسن إلى أرض الصعيد وأهله ... ويزداد وجدي حين تبدو قباليا
وتذكرها في ظلمة اليل مهجتي ... فتجري دموعًا إذ يزيد التهابيا
ومما قاله في مقدمة "تليماك":
أما بعد: فيقول المرتجى أن يكون لوطنه خير نافع, رفاعة بدوي رافع, ناظر قلم الترجمة بديوان المدارس, قد تقلدت بعناية لحكومة المصرية الفائقة على سائر الأمصار, في عصر المحمدية العلوية السامي على سائر الأعصار, بوظيفة تربية التلاميذ مدةً مديدةً وسنين عديدةً, نظارةً وتعليمًا وترتيبًا وتنظيمًا, وتخرَّج من نارات تعليمي من المتفننين رجال لهم في مضمار السبق, وميدان المعارف وسيع مجال, وفي صناعة النثر والنظم أبهر بديهة, وأبهى روية, وأزهى ارتجال, وحماة صفوف لا يبارون في نضالٍ ولا سجال، وعرَّبت لتعليمهم من الفرنساوية والمؤلفات الجمة, وصححت لهم مترجمات الكتب المهمة من كل كتاب عظيم المناقع, وتوفق حسن تمثيلها في مطبعة الحكومة وطبعها, ومالت طباع الجميع إلى مطبوع ذوقها وطبعها، وسارت بها الركبان في سائر البلدان