للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدع الأفغانيُّ بالأمر, واتجه إلى "حيدر أباد" فأقام بها عامًا، ثم شبت الثورة العرابية فدعي منها إلى "كلتكتا" وألزمته حكومة الهند بالإقامة فيها حتى انقشعت الفتنة العرابية التي فَهِمَ الإنجليز أن له فيه إصبعًا، ولما أتيحت له حرية التنقل لجأ إلى "لوندرا" فمكث بها أيامًا قلائل, وكتب في طريقه إلى "باريس" إلى صديقه, الشيخ: محمد عبده, أن يوافيه بها, وكان الثاني قد نفي إلى سوريا, سنة ١٨٨٢م لاتهامه بالاشتراك في هذه الثورة, وبعد أن مكث بها عامًا التقى في "باريس" مع أستاذه وصديقه الأفغانيّ, استجابةً لدعوته, وتلبيةً لندائه.

كان أكبر مظهر من مظاهر النشاط السياسيّ والأدبيّ للأفغاني والإمام في باريس هو إنشاء "العروة الوثقى" وهي مجلة أسبوعيةٌ, كان يتولى الإنفاق عليها جمعية أسمها: جمعية العروة الوثقى, التي أسساها لإنارة الرأي العام في جميع الأقطار الإسلامية, ودعوته إلى الاتحاد والتضافر١.

وكان لهذه الجمعية فروع في الهند ومصر وغيرها من الشعوب الإسلامية, ومن أغراضها مقاومةُ الاحتلال البريطانيّ في الشرق, وتقليص ظل الإنجليز في هذه الديار، وقد جاء في خاتمة العدد الأول منها, أنه بلغ الإجحاف بالشرقيين غايته، ووصل العدوان فيهم نهايته، وأن الحالة السيئة التي أصبحت فيها الديار المصرية لم يسهل احتمالها على نفوس المسلمين عمومًا, وأن الخطر الذي ألَمَّ بمصر نغرت٢ له أحساء المسلمين, وتكلمت به قلوبهم, ولن تزال آلامه تستفزهم ما دام الجرح فغارًا، وما هذا بغريب على المسلمين".

تألفت عَصَبَاتُ خيرٍ من أولئك العقلاء لهذا المقصد الجليل في عدة أقطار, خصوصًا البلاد الهندية والمصرية......... وملا كن نيل الغاية على


١ المنار ج٨ ص١٠.
٢ نغَرت القدر تنغَر, ونغِرت تنغَر, إذا غلت, ومن المجاز: نغر الرجل, اغتاظ, وفلانة غيري نغرة غيري وجرح نغار جياش بالدم "أساس البلاغة".

<<  <  ج: ص:  >  >>