الوفود وتحشد الحشود والناس في غمرة الأحداث، وحيرة المحن فيرتقي المنبر علماء الأزهر وشبابه المتفجرون بلاغة المتقدمون عزما وحماسة، فتهدر شقاشق وتزأر حناجر، وتفيض بلاغة، ويتدفق شعور، فإذا الجبن إقدام والتردد وثوب، وإذا الصدور تملأ إيمانا بالجهاد وحبا في بذل النفس والفداء فيندفع الناس كالسيل لا يخشون في الحق أذى، ولا يرهبون النضال ولو طاحت رءوس وتناثرت أشلاء.
كان ذلك من فعل البلاغة في النفوس وأثر الإقناع بالحجة والدليل، وكان ذلك من روح النداء الذي عرفوا به، والإقدام الذي كان لهم سمة وطبعا.
أدرك الفرنسيون خطر الأزهر في توجيه الشعب، وعرفوا مكانة أبنائه ومبلغ أثرهم في الأمة ببيانهم وإيمانهم فراحوا يتقربون إليهم، ويؤلفون ديوان القضاء منهم، ويخطبون بكل أسلوب ودهم بالتزيي بزيهم طورا وإعلان الإسلام طورا آخر، ثم بالمصاهرة إلى المسلمين طلبا لرضاهم واستمالة لهم وراحوا يذيعون المنشورات نشدانا للهدوء باسمهم، ويستجيبون لرغائبهم إذا ما استنجد الشعب بهم لرفع مظالمهم، وتحقيق مطالبهم.
كان الأزهر وحده هو الذي يحفل إذ ذاك بالخطابة ويجعلها أداة إقناعه، ووسيلة بلاغه وسبيل توجيهه للأمة في ذلك الحين، وكم فاض هذا المنبر بآيات من البيان من خطب رائعة وشعر كريم، وكم تفتحت القرائح واهتزت الأفكار بما أبدع فيه هؤلاء الفصحاء من أساليب البيان.
الأزهر والثورة العرابية:
كانت الأسباب التي أدت إلى الثورة العربية سنة ١٨٨١م راجعة إلى تبرم المصريين بالحكم القائم الذي قوامه استبداد الحكام واضطهاد الشعب، وكان انتشار التعليم، واستنارة الأفكار قد هذب النفوس، وسما بها إلى طلب الحياة