للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعزم، فكان كما قيل يصحح ما يكتبه بعد قراءة واحدة، ويفرض على نفسه واجبا دونه ما يفرضه المعلم.

ولما أتم حفظ القرآن، وظل يتردد على الشيخ "أحمد أبي رأس" شيخ معهد دسوق الديني إذ ذاك، ويتلقى عنه دروسا في النحو والفقه، كما يتلقى أصول التجويد، ثم صحت النية على إيفاده إلى الجامع الأزهر ليجد فيه من الثقافة ما يتوق إليه، وقد طرب لرحلته إلى الأزهر، ووفد إليه إذ كان إصلاحه قد حان حينه، فقد كان ذلك في سنة ١٨٧١م، وهي السنة التي تولاه فيها الشيخ "محمد العباسي المهدي"، وشرع في إصلاحه وتنظيمه، وفي مطالع هذا العام قدم إلى القاهرة المصلح الخطير السيد "جمال الدين الأفغاني"، يحمل دعوته الجريئة التي ملأت الأذهان والقلوب، كان في الأزهر فريقان يتشاجران: فريق المحافظين على القديم المتشبثين به، وفريق النازعين إلى التجديد الداعين إليه.

نهل "سعد" من علم "جمال الدين" والشيخ محمد عبده، وكان له من الانتفاع بعلمهما، وتوجيههما أبلغ الأثر في حياته، وكان زملاؤه في الأزهر إذ ذاك من طبقة الشيخ "عبد الكريم سلمان" والشيخ أبي خطوة"، فقيض له من هذه البيئة ما شجعه على المضي في الإصلاح المنشود للأزهر، ودعى سعد للعمل مع هذه الطائفة على تحقيق الإصلاح المرجو، فكتب منشورًا علقه في جنح الظلام على أعمدة الأزهر يبين الداء ويصف العلاج، وقد قال حين رأى "الأفغاني" لأول مرة هذا يغبتي"، ومما روى أن "السيد جمال الدين استكتب تلاميذه موضوعا عن الحرية، فبذ سعد أقرانه بكتابته، وأعجب "الأفغاني" به حتى قال "من علامة نشأة الحرية في هذه الأمة ألا يجيد الكتابة فيها إلا ناشئ كهذا الفتى".

كان جمال الدين زعيما اجتماعيا مصلحا، البيان أقوى دعائمه، وأبلغ أسسه وتلاميذه، وشيعته يجرون معه في هذا المضمار، ومن ثم قد دلف سعد إلى هذا الميدان، وأقبل على الخطابة والكتابة، وتوفر على المطالعة قوى الرغبة صادق

<<  <  ج: ص:  >  >>