ولما كان حنفي المذهب، وقد حصل على الدرجة الثانية كان مما تمتع به من المزايا أن يوكل إليه التدريس بالأزهر إلى أن ينفسح له مجال القضاء.
ففي أول أغسطس سنة ١٩٠٤م جلس الشيخ في حلقة التدريس بالأزهر، والتف الأزهريون الطلاب من حوله، وغصت حلقة الدراسة بهم، لما عرف به من دقة البحث، وعمق الفكرة وفصاحة العبارة، ولكن هذه الفترة لم تطل، ففي أول نوفمبر من عام ١٩٠٤م عين الشيخ قاضيا لمديرية "دنقلا" في السودان، وكان قاضي القضاة صديقه المرحوم الشيخ "محمد هارون عبد الرازق"، ولم يطل بقاؤه بدنقلا أيضا، فقد نقل بعد قليل قاضيا لمدينة "الخرطوم".
ثم قدم استقالته، وعاد إلى مصر أوائل هذا العام على أثر اختلافه مع "قاضي القضاة، والسكرتير القضائي" في اختيار المفتشين بالمحاكم الشرعية في السودان.
وفي التاسع من شهر سبتمبر سنة ١٩٠٧ اختير مفتشا للدروس الدينية بديوان الأوقاف بمصر، وقد تولى التدريس بالأزهر في هذه الفترة، فاكتظ درسه بالتلامذة النابهين، وجمع بين العملين.
وفي سنة ١٩٠٨م عين قاضيًا السودان، ولهذا التعيين قصة طريفة، فإن "سلاطين باشا" الذي كان وكيلا لحكومة السودان بمصر زار الشيخ، وتحدث معه في شغل هذا المنصب وافهمه أن حكومة السودان مقتنعة بأن الشيخ خير من يصلح لهذا المنصب، وطالب الشيخ أن يبين له ما يشترطه في هذا الصدد، فأصر الشيخ على أن يكون تعيينه بأمر الخديو فحسب، وكان أمرًا عسيرًا على "سلاطين باشا" أن يتخلف عن سعيه؛ لأنه مؤمن بصلاحية الشيخ لهذا المنصب كما كان عسيرا عليه أن يذلل هذه العقبة لدى حكومة السودان التي كانت وحدها المختصة بتعيين قاضي القضاة، ولكنه لم يدع هذا الأمر حتى عبد طريقه، وانتهى بتعيين الشيخ قاضيا للقضاة لا بأمر حكومة السودان بل بأمر الخديو.