وقد كانت له في السودان مواقف رائعة هي أبلغ الأمثال في بروز الشخصية وحفظ الكرامة، يشتجر معه السكرتير القضائي في حكومة السودان، ويحاول أن يغير لائحة المحاكم الشرعية، فينتصر عليه الشيخ بحجته وشخصيته وقوته، فلا تمس اللائحة بسوء، ويظل بها لقاضي القضاة ما يشاء من نفوذ وسلطان.
ويدعى كبار موظفي السودان ليكونوا بالمرفأ حين يمر جلالة ملك الإنجليز في طريقه إلى الهند، ويقضي النظام المعد رسميا بألا يصعد إلى الباخرة سوى الحاكم العام، وأما من عداه فسيمرون بمحاذاة الباخرة، فيغضب "المراغي"، ويخبر الحاكم العام بأنه لن يذهب إلى حفل الاستقبال إلا إذا سمح له بالصعود إلى الباخرة، فيبرق الحاكم العام إلى حكومته، فتخبره بأن النظام عدل، وأن "المراغي" سيكون ثاني اثنين يصعدان إلى الباخرة المقلة ملك الإنجليز.
كانت حياة "المراغي" عزة وكرامة كلها، وكان يتسم بسمة الجلال والوقار حتى ليرغم على إجلاله عظماء الدولة، وكبراءهم لا لمنصبه بل لهيبته، وشخصيته لقد أعز "المراغي" شرف العلم، وصان كرامة العلماء وسعى لاستماع درسه، وعظته الملك السابق فدان بإجلاله، وتوقيره الناس جميعًا فوق ما كانوا يدينون.
ثم أججت الثورة الوطنية في مصر سنة ١٩١٩م، وفارت الأمة المصرية فورتها، وهز "سعد" نفوس الشعب هزًّا وسرت الحماسة من جنوب الوداي إلى شماله، فقام السودانيون يشاركون إخوانهم المصريين جهادهم، واندفعوا بشعورهم إلى التظاهر والجهاد، وقاضي القضاة "المراغي" يأبى إلا أن يكون في طليعة الوطنيين، فيجمع العرائض لتأييد "سعد"، ويجاهر براية الوطني غير مبال، وينفد صبر الإنجليز، ولا يغضون على بقائه بالسودان، فيعود إلى مصر كريما حفيا أبيا.
وفي التاسع من أكتوبر سنة ١٩١٩م عين رئيسا للمفتشين بمحاكم مصر الشرعية، ثم رئيسا لمحكمة مصر الكلية في يوليو سنة ١٩٢٠م، ثم عضوا