للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلاصة هذه الآية١ أنها استدلال بالآفاق والأنفس بعد الاستدلال بالخلق: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .

سخر الله هذا كله للإنسان، وأسبغ عليه نعمة ظاهرة وباطنة، ومع هذا كله فإن من الناس طائفة من الأغنياء الجهلاء الذين لم يستعملوا علهم فيما خلق له من النظر، والاستدلال والعظة والاعتبار، وتجادل في الله تعالى، وفي استحقاقه للتفرد بالعبادة، وتعبد الأصنام لا تضر ولا تنفع وتكذب بالبعث، وتكذب الأنبياء بعد قيام حجتهم، هؤلاء الأغنياء ليس لهم علم عن دليل، وأين يكون لهم علم عن دليل، والدليل قائم على خلاف مذاهبهم؟ قائم من الخلق ومن الآفاق، ومن الأنفس وليس لهم علم من هدى عن نبي معصوم تلقوا عنه ما هم عليه، وأين يكون الهدى والمعصوم بخير بغير آرائهم، ويسفه أحلامهم؟

وليس لهم علم من كتاب يستندون إليه، وأين يكون الكتاب الذي يستندون إليه؟ وجميع الكتب السماوية تقرر التوحيد وتقرر البعث، وهذه الأمور الثلاثة، وهي: العلم والهدى والكتاب المنير هي طرق العلم الصحيحة عند العلماء؟ فهم لا يستندون إلى شيء مما يليق بالعاقل أن يستند إليه إنما يستندون إلا جهالات، وضلالات تلقوها تقليدا عن آبائهم حتى إنهم إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله، قالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا.

مثل هذه الطائفة عميت منها البصائر، وضلت السبيل السوي وحادت عن منهج الحق، وعن مسالك العقلاء، فطريقهم طريق الشيطان يوسوس لهم


١ هذه الآية هي قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} .

<<  <  ج: ص:  >  >>