ثم إن العزيز بالله حين انتهى إليه الأمر بعد أبيه المعز لم يغمطه حقه, بل فوّضَ إليه النظر في شتى أموره, ولقبه بالوزير الأجلِّ, وغدا أقوى رجل في الدولة على رغم أن العزيز اعتقله استجابةً للوشاة, ثم أكرمه وقدره بعد براءته. ومَنْ يدري, فلعل الله أراد أن يكسب الأزهر هذه الصفة الجامعية, ويدوي في ربوعه صوت العلم والأدب والثقافة؛ فقيض له ذلك العالم الأديب -يدع دينه الضالّ إلى دين الله, وهداه, ويدعو إلى بثِّ العلم والأدب في جنبات الأزهر؛ فيسير العلماء والأدباء من بعده ركضًا, وتنمو الفكرة, ويتطور الأزهر, فإذا هو كما ترى كعبة تُحَجُّ, ومنارة تُقْصَدُ, ومنهل عذب يرتوي منه كل ظامئ. ومهما يكن من شيء, فابن كلس مع أنه سياسيٌّ ووزيرٌ ورجل دولةٍ, عالم أديب, وأينما حلَّ, وحيثما ارتحل يعقد المجالس العلمية, والندوات الأدبية, ينتظم في سلكلها الفقهاء والأدباء والشعراء, ويشجع على نفاقها بالفكر, وبالمناظرة, وبالتوجيه, وبالمال