للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مساجد القاهرة مثلما خص الأزهر من هذا الريع بنصيب.

وكان التعليم فيها على نفقة الدولة, وهيء فيها للباحثين والطلاب جميع الأدوات الكتابية, وكان لهم أن يقرأوا وأن ينسخوا ما شاؤوا, ولهم أن يستمعوا من المحاضرات والدروس ما شاؤوا.

وقد حَدَّثَ المسبحيُّ المؤرخ المعاصر, عما لقيته هذه الدار من رعايةٍ وعنايةٍ, بأنه مما لم يجتمع مثله لأحد قط من الملوك.

اتسعت "دار الحكمة" في مستهلِّ عهدها بتوسيع البحث, ثم أُقْصِيَ عنها الأساتذة السنيون, وقتل بعضهم, فتأكدت صفتها المذهبية الشيعية.

وكان لقاضي القضاة الإشراف على مجالسها, حتى إذا ما اتسع أفقها عهد بها إلى "داعي الدعاة" وهو زعيم دينيٌّ خاصٌّ يلي في الرتبة قاضي القضاة١ ثم أنشئ لها إدارةٌ خاصةٌ في وظائف الدولة.

وإذا كانت "دار الحكمة" موسومةً بالطابع الحرِّ في الفكر والدرس, فإنها كانت من وراء ستارٍ ترمي إلى بثِّ الدعوة الفاطمية بطريقة علمية تمتزج فيها النظريات والآراء الفلسفية بالأصول والمذاهب, وتكون أبلغ أثرًا في العقول والعقائد من مجالس القصر، وبذلك تتضافر جهود الدعاة في هذا المركز الرئيسيِّ الذي لا يلبثون أن يصدروا عنه, فيبثوا الدعوة في كل وادٍ.

تمت هذه الدار في أكناف هذه الرعاية, وأوى إليها بأسلوبها وبشهرتها كثير من علماء الشرق, وأصبح بين تلاميذها نوابغ كثيرون.

كان لقيام هذه الدار أثر بالغ في سَيْرِ الدراسة بالأزهر, بل كانت منافسًا جبَّارًا لمعهدٍ وليدٍ لم تتأثل نظمه, ولم تتوطد دعائمه، فلا عجب إذن أن تركد ريحه, وأن تفتر حلقات الدرس والعلم فيه, وأن تجتذب إليها أنظار الكثيرين من طلاب الأزهر؛ ففيها جدة, وروعة, واستيعاب.


١ صبح الأعشى جت٢ ص٤٨٧, والخطط التوفيقية جـ٢ ص٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>