للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبثت دار الحكمة قرنًا تنافس الأزهر في رسالته العلمية, وتظفر بالسبق والغلبة في كثير من الأحيان, وإن كان الزهر على رغم طغيانها لم يتخلف عن الرسالة التي كان يضطلع بها, إلّا أنها لم تدع له قوته كاملةً.

بيد أن عصر ازدهار "دار الحكمة"لم يطل, فقد اضطربت شئونها المذهبية, وفتر نشاطها منذ منتصف القرن الخامس الهجريّ, وخبا نورها خلال حكم المستنصر بالله؛ إذ اضطربت شئون الخلافة, وشملت الفوضى مرافق الدولة جميعًا, ولم تلبث كذلك حتى انتهى أمير الجيوش "الأفضل شاهنشاه" بإبطالها, وإغلاقها صدر القرن السادس الهجريّ أيام الخليفة الآمر بإحكام الله "٤٩٥-٥٢٤هـ" لما ذاع من تدخلها في العقائد.

ثم أعادها "المأمون البطائحيّ" وزير هذا الخليفة, سنة ٥١٧هـ على نسق جديدٍ, روعي فيه تخفيف حدتها المذهبية, وعُنِيَ بتدريس القرآن وعلومه عنايةً خاصة.

وإنها, وإن مكثت في هذا المظهر الجديد نصف قرن حتى نهاية الدولة الفاطمية, كانت معهدًا مغمورًا ليس له من الشأن ما يتصل بماضيه العظيم.

كان لهذا الاضطراب السياسيِّ أثره في دار الحكمة وفي الأزهر معًا, فقد فترت حركة الدرس والتحصيل تبعًا لركود الحياة العامة, واضطراب الحياة الخاصة في ذلك الحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>