للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما فيها شهرًا كانا فيه متجه الأنظار، وقبله الأباء والعلماء والمفكرين، ثم ارتحل إلى "دمشق"، "فبعلبك" وبعد أن زار آثارها عاد إلى "لبنان"، فقضى في ربوعه شهرين غادره بعدهما إلى مصر.

وفي سنة ١٣٠٦هـ، أوفدته الحكومة المصرية رئيسا للوفد العلمي المصري في المؤتمر العلمي الذي انعقد في "استوكهلم"، وصحبه نجله في هذه الرحلة أيضًا، وقبل مغادرته مصر إلى هذه الرحلة أنعم عليه الخديو "بالنيشان المجيدي" من الدرجة الثانية، وقد مر في طريقه إلى استوكهلم، وبتريستا البندقية، وميلانو، ولوسون، وباريس التي لبث بها عشرين يومًا اجتلى فيها مناظرها الحسان، ورأى من مفاتنها، وعجائب حضارتها طرائف، وغرائب ثم برحها إلى لندن، فنوتردام، ولاهاي، وليدن وزار مكتبتها، وشاهد مطبعتها المعروفة بالمطبعة الشرقية، ثم اتجه إلى كوبنهاجن عاصمة الدانيمارك، وقد أتيحت له من مشاهدة النمسا وإيطاليا، وسويسره، وفرنسا، وهولاندة والدانيمارك، والسويد، والنورويج، مشاهد نشطت خياله وغذت فكره، وزادت في حضارته وثقافته، وقد كان في هذا المؤتمر مرموق النبوغ موفور التكريم يشار إليه بالتقدير والإعجاب، وقد أهداه الملك "أسكار الثاني" نيشان "وازه" من الدرجة الأولى اعترافا بفضله.

ولما حط رحاله "بمصر" عزم على تدوين ما اجتلاه في هذه الرحلة من ظواهر، ومشاهد وصور وحيوات، ولكن المرض عاقه عن اتمام هذا العمل الجليل، فأجله إلى شفاء يرتجيه، ولكن العلة ألحت عليه حتى أسلمته إلى المنية في ٧ من ذي الحجة سنة ١٣٠٧هـ، فعني نجله "أمين" بنشر هذه الرحلة في كتاب سماه "إرشاد الألبا إلى محاسن أوربا"، وهو مجلد ضخم طبع في مصر سنة ١٨٩٢م، وفيه تصوير لهذه المسالك، وعاداتها وأخلاقها، وشيء غير قليل من نظم المؤلف، ونثره اللذين لم ينشروا في غير هذا الكتاب عدا بحوث لغوية، وأدبية قيمة، فقد حقق الولد ما فات والده، وكان الابن قد وافق أباه في رحلته.

<<  <  ج: ص:  >  >>