للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعلمه:

أوفده أبوه وهو في الثالثة عشرة من عمره إلى الجامع الأحمدي بطنطا، وبعد عامين قضاهما في الدرس شرع يتلقى قواعد اللغة العربية، ويتفهم أسرارها وقد صادفه الإخفاق في محاولاته الأولى إتقان هذه العلوم، وقال في ترجمته عن نفسه: "وقد وقع لي سنة ونصف لا أفهم شيئا لرداءة طريقة التعليم، فإن المدرسين كانوا يبادئوننا باصطلاحات فقهية، أو نحوية لا نفهمها، ولا عناية لهم بتفهيم معانيها لمن لم يعرفها١".

وإذا كانت عاطفة والده حملته على أن يكرهه مرة أخرى على الرجوع إلى هذا المعهد، فإنه فر في الطريق، واختفى عند بعض أقاربه في "كنيسة أورين"، وتهيأ له في هذه القرية رجل مسلم متصرف اسمه "الشيخ"، فجذب "محمد" إليه، وقرأ له بضعة أسطر بأسلوب سهل، وعبارة مشرقة وطريقة جذابة، ولقنه مبادئ الصوفية، وأفهمه طرفا من القرآن فهما صحيحا.

بلغ "الشيخ درويش" من نفس "محمد عبده" مبلغ الإيمان، والإذعان، وبدل يأسه من العلم حبا فيه وإقبالًا عليه، وانتقل من الفرار منه إلى الشوق إليه، وهنا استأنف "محمد عبده" طلبه العلم بهذا المعهد، ولكن بروح جديد، وقلب جديد -وقد حدث "محمد عبده" عن شيخه الأول حيث قال: ولم أجد إماما يرشدني إلى ما وجهت إليه نفسي، إلا ذلك الشيخ الذي أخرجني في بضعة أيام من سجن الجهل إلى فضاء المعرفة، ومن قيود التقييد إلى إطلاق التوحيد٢.

استمع بالمعهد إلى دروسه بعد أن أفاق من غشيته، وبعد أشهر قليلة رغب في تعلم العلم بالجامع الأزهر، فلمع بين أقرانه بذكائه الفطري، ونشاطه


١ المنار ج٨ ص٣٨١.
٢ الإسلام والتجديد ص٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>