للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجم ومثابرته على الدرس التحصيل، وظل على هذا المنوال أربعة أعوام استنبط فيها لنفسه طريقة تأتلف مع روحه، وتتسق مع هواه، وهو كل حال الدائب على البحث والإفادة.

قدوم جمال الدين:

وفي سنة ١٨٧١م، وفد إلى مصر فيلسوف الإسلام، وبطل النهضة وإمامها الأول "السيد جمال الدين الأفغاني"، وكان "محمد عبده" قد ناهز الثلاثين؛ وتولى جمال الدين تعليم المنطق والفلسفة في الأزهر، فكان بين تلامذته ينهل من علمه، ويرتوي من فضله، وأدرك "جمال الدين" ما عليه "محمد عبده" من الذكاء الخارق، والفكر الناهض والعزم الوثاب، والتطلع إلى الإصلاح والتجديد فخصه بعطفه، وأخلص في توجيهه، وأقبل عليه ذلك التلميذ العبقري، فامتلأ من علمه وانتفع بهداه، حتى كان أسبق تلامذته، وأبرعهم علما وفضلا وأحرزهم شهادة العالمية سنة ١٢٩٤هـ، وقد قال فيه "جمال الدين" يوم توديعه لمصر: "لقد تركت لكم الشيخ محمد عبده، وكفى به لمصر عالما".

مناصبه وتدريسه:

كان ميله إلى التربية والتعليم يملك عليه نفسه، وقد قال: "إنما خلقت لكي أكون معلما"، فأقبل على التدريس بالأزهر، وقرأ به دروسا متنوعة علوم شتى، وإلى جانب هذا كان يقرأ في بيته درسا في الأخلاق، والسياسة لطائفة من عشاقه، فقرأ لهم كتاب تهذيب الأخلاق "لابن مسكويه" المتوفى سنة ١٠٣٠م، وحاضرهم في السياسة معتمدا على كتاب "كيزو في تاريخ التمدن"١، ثم عين مدرسا للتاريخ بمدرسة دار العلوم، فألقى محاضرات في مقدمة ابن خلدون، "ولم يكن هذا النوع من التدريس بدء عهد جديد في مصر فحسب، بل كانت طريقة التدريس أيضا مبتكرة لا عهد للبلاد بها من قبل٢


١ وكان قد نقل إلى العربية حديثا.
٢ الإسلام والتجديد ص٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>