أما أسلوبه العلمي التأليفي، فإنه يمتاز بالفصوح والسلاسة، والاطراد وحسن السبك وقوة البرهان، ومن ذلك ما كتبه في رسالة التوحيد بعنوان "القرآن".
جاءنا الخير والمتواتر الذي لا تتطرق إليه الريبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في نشأته، وأميته على الحال التي ذكرنا، وتواترت أخبار الأمم على أنه جاء بكتاب قال: إنه أنزل عليه، وأن ذلك الكتاب هو القرآن المكتوب في المصاحف المحفوظ في صدور من عني بحفظه من المسلمين إلى اليوم، كتاب حوى من أخبار الأمم الماضية ما فيه معتبر للأجيال الحاضرة، والمستقبلة نقب على الصحيح منها، وغادر الأباطيل التي ألحقتها الأوهام بها، ونبه على وجود العبرة فيها، حكى عن الأنبياء ما شاء الله أن يقص علينا من سيرهم، وما كان بينهم وبين أممهم، وبرأهم مما رماهم به أهل دينهم المعتقدون برسالاتهم آخذ العلماء من الملل المختلفة على ما أفسدوا من عقائدهم، وما خلطوا في أحكامهم، وما حرفوا بالتأويل في كتبهم، وشرع للناس أحكاما تنطبق على مصالحهم، وظهرت الفائدة بالعمل بها والمحافظة عليها، وقام بها العدل وانتظم بها شمل الجماعة ما كانت عند حد ما قرره، ثم عظمت المضرة في إهمالها والانحراف عنها، أو البعد بها عن الروح الذي أودعته، فقامت بذلك جميع الشرائع الوضعية كما يتبين للناظر في شرائع الأمم، ثم جاء بعد ذلك بحكم ومواعظ، وآداب تخشع لها القلوب وتهش لاستقبالها العقول، وتنصرف وراءها الهمم انصرافها في السبيل الأمم.
نزل القرآن، عصر اتفق فيه الرواة، وتواترت الأخبار على أنه أرقى الأعصار عند العرب، وأغزرها مادة في الفصاحة، وأنه الممتاز بين جميع ما تقدمه بوفرة رجال البلاغة وفرسان الخطابة، وأنفس ما كانت العرب تتنافس فيه ثمار العقل ونتائج الفطن، والذكاء هو الغلب في القول، والسبق إلى إصابه مكامن الوجدان من القلوب، ومقر الأذعان من العقول، وتفانيهم في المفاخرة بذلك