للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مما لا يحتاج إلى الإطالة في بيانه -تواتر الخبر كذلك بما كان منهم من الحرص على معارضة النبي صلى الله عليه وسلم، والتماسهم والوسائل قريبها، وبعيدها لإبطال دعواه، وتكذيبه في الأخبار عن الله، وإتيانهم في ذلك على مبلغ استطاعتهم، وكان فيهم الملوك الذين تحملهم عزة الملك على معاندته، والأمراء الذين يدعوهم السلطان إلى مناوأته، والخطباء والشعراء، والكتاب الذين يشمخون بأنوفهم عن متابعته، وقد اشتد جميع أولئك في مقاومته، وانهالوا بقواهم عليه استكبارًا عن الخضوع، وتمسكا بما كانوا عليه من أديان آبائهم، وحمية لعقائدهم وعقائد أسلافهم، وهو مع ذلك يخطئ آراءهم ويسفه أحلامهم ويحتقر أصنامهم، ويدعوهم إلى ما لم تعهده أيامهم، ولم تخفق لمثله أعلامهم، ولا حجة له بين يدي ذلك كله إلا تحديهم بالإتيان بمثل أقصر سورة من ذلك الكتاب، أو بعشر سور من مثله، وكان في استطاعتهم أن يجمعوا إليه من العلماء، والفصحاء والبلغاء ما شاءوا ليأتوا بشيء من مثل ما أتى به ليبطلوا الحجة، ويفحموا صاحب الدعوة.

أثر الشيخ "محمد عبده" في أدب العصر:

سبق أن تحدثنا عن الأثر الملموس الذي كان للإمام في نهضة الصحافة، ولغتها وأنه كان عاملا قويا في تخليص الكتابة مما شابها من الضعف، والسجع المرذول والصناعة المستكرهة، وجعل ما أشرف عليه من الصحف تربة صالحة تنمو بها الكتابة ويتسع موضوعها، وتترامى آفاقها، وتتناول شتى شئون الإصلاح المساير للعصر ومقوماته، وهذا هو أدبه الذي ألقينا عليه نظرة دراسية موجزة يبين لك كيف سما به الشيخ "محمد عبده"، فهذب لغته وبسط موضوعه، وصقل أسلوبه وخلصه من قيوده وأغلاله، وكان في طليعة من نهضوا بالأدب في هذا العصر إلى مكان طيب.

والحق أن حركة الإصلاح التي أذكاها الإمام كانت ثورة مشبوبة اهتزت لها النفوس، وسايرتها الأمم العربية، وكان لها حظ قوي في بث روح النهضة، فهي

<<  <  ج: ص:  >  >>