"وأنى يدرك بعض فضله الفاضل، وذاك لغزارة علمه، وجودة ذكائه وفهمه، كما يشاهد من أدبه، وكما يطالع في كتبه، فلو رأه ابن عيينة لقبله بين عينيه، ولو شامه قدامه لترك بأثر قدميته، فشرحها شرحا زاد محاسن الأوصاف، عادلا عن التعسف مائلا إلى الإنصاف".
منزلته الأدبية:
يعتبر عبد المجيد الشرنوبي إلى جانب علمه الجم، ومؤلفاته الضخمة، أحد دعائم النهضة الأدبية في العصر الحاضر، فقد أسهم في بناء المجد الصحفي الأول في النهضة الحديثة، "صحيفة الوقائع المصرية"، إذ كان ذلك أول أعماله التي قام بها مع الإمام محمد عبده، وقد أتاح له عمله في مكتبة الأزهر الاطلاع على الأسفار الأدبية، وأن يتأثر بأساليبها، وينهج نهج من حفلة المكتبة بتراثهم الأدبي الخالد، فنضجب بذلك موهبته، وأشرق أسلوبه، ونمت ملكته في الشعر، وأغرم بالمطارحات والمعارضات، حتى ترك لنا من ذلك ثروة تجعله من طلائع الأدباء الشعراء.
أما نثره، فيتجلى فيه إشراق الأسلوب، واستواء العبارة، ووضوح القصد، والتئام الفقر، وحسن السبك مع ميل شديده إلى السجع، وكلف واضح بالصفقة، والمحسنات شأنه في ذلك شأن هذه الطبقة التي اتسمت بهذا الطابع في عصره، ومن يقرأ كتاب "تحفة العصر الجديد ونخبة الأدب المفيد" يلمح هذه الخصائص في أسلوبه، كما يقول في باب الاحتراس من أشرار الناس: "أيها الراغب في معالم المعارف، الطالب لمطالب العوارف، قد أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين، فشنف سمعك بما ألقه إليك، ولا تكن من الغافلين، وأول منا أبديه إليك، وألقي معانيه عليك، ألا تحسن الظن بإنسان، إلا بعد التجربة والامتحان، ولا تثق بسماع أخباره، قبل نقده واختباره، فإني رأيتك قد عولت على ظواهر الرجال، فلم تفقد ما هم عليه من تقلبات الأحوال.