هذا العمل فكان له فضل عظيم في ترقية الكتابة، وتقدم لغتها وتخلصها من الركة والعجمة، والضعف بقدر ما وسعته الجهود، وبعد عامين فصل من هذا العمل.
ولما انعقد "البرلمان" عين كاتم سره، وكان القدر قد أراد أن تنطفئ شعلته، فمضى إلى ربه في العقد الخامس من عمره عام ١٩٢٤م.
وكان رحمه الله عالي النفس عزيزا متوقرا، يجافي صغائر الأمور ولا يتعلق إلا بجلائل الأعمال، نزاعا إلى الحرية عيوفا من كل ما يدنس صفحته كريم الخلق طيب السريرة في تواضع جم، وكرم نفاح.
وقد عاش طول حياته لم يلوث يده بأجر على ما كان يكتبه على جلالة شأنه، ونباهة ذكره ما يهيئه من الرفعة، وعلو المكانة لمن يحظى بقلمه مؤيدا ومعاضدا.
وقد اجتمعت عليه عداوات، وأرثت أحقاد من طول ما لقيه من الشهرة بأدبه وبعد الصيت بقلمه، وتألبت عليه الأقلام تنوشه، وتنهشه حقدا وموجدة، وهو ثابت كالطود موفورًا الحلم والأناة، واسع العفو والإغضاء، فكان كما قال:
إذا ما سفيه نالني منه نائل ... من الذم لم يحرج بموقفه صدري
أعود إلى نفسي فإن كان صادقا ... عتبت على نفسي وأصلحت من أمري
وإلا فما ذنبي إلى الناس أن طغى ... هواها فما ترضى بخير ولا شر
وقد صور المرحوم "أحمد شوقي بك" أمير الشعراء خصومة حساده، وكلفهم بتتبعه، وأنصف حلمه وسعة صدره، وعفوه عن خصومه اللد، فقال في رثائه له.
سكن الأحبة والعدا وفرغت من ... حقد الخصوم ومن هوى الأشباع
كم غارة شنوا عليك دفعتها ... تصل الجهود فكن خير دفاع