التفصيلية؛ لتوفر على طلابها وقتهم وجهدهم, وتقرب لهم الفائدة في أقرب وقت مستطاع, ثم ضبط ألفاظها, وشرح كلماتها اللغوية؛ لتستغنيَ بأنفسها عن غيرها, ثم التعريف بما فيها من أعلام, والتقديم لها بذكر تاريخ مؤلفيها, والعصر الذي أُلِّفَت فيه.
وكان علماء الأزهر أولى بهذا العمل الجليل أن ينصرفوا إليه, وأقدر على هذه الرسالة أن يضطلعوا بها, بما استمكنوا فيه من المادة, واقتدروا عليه من معالجة البحث, ومرنوا على مزاولته من أساليبها, وتفهم أغراضها، فعسى أن تصحَّ العزائم, وأن تهيأ لبعض الأفذاذ من الأساتذة فرصةً من الزمن, وفسحةً من البحث والتشجيع, إذن لظهرت هذه الثروة العلمية نقيةٌ ناصعةٌ, وكان فيها للباحثين والطلاب أطيب الثمرات.
العصر الحديث:
يبتدئ هذا العصر من تاريخ دخول الفرنسيين مصر, بقيادة نابليون بونابرت في سنة "١٢١٣هـ ١٧٩٨م" وقد كان الفرنسيون بغزوهم مصر أول من هدى المصريين إلى العلم الحديث الذي بهرهم نوره, وراعهم غريبه, وأوّل من لفت أنظارهم إلى نوع جديد من العلم, لم يألفوه من قبل, ولم يكونوا على عهد به, فالحملة الفرنسية بهذه المثابة حدث جديد, وتطور خطير, يصح اعتباره فاتحة عصر جديد.
قضى الفرنسيون بمصر ثلاث سنين من سنة "١٢١٣هـ ١٧٩٨م" إلى سنة "١٢١٦هـ ١٨٠١م" وقد لبثوا هذه المدة في قلقٍ واضطراب, لم يهدأ لهم خاطر, ولم يطمئن لهم بالٌ, يجاهدون المصريين والعثمانيين وهم يجاهدونهم, فلم تتهيأ لهم الفرصة التي تمكنهم من تنفيذ خطتهم, ونشر ثقافتهم, إلّا أنهم على رغم قصر المدة, وانتشار الفتنة, خَلَّفُوا بمصر آثارًا أدبيةً, واتجهوا بها اتجاهًا ثقافيًّا, كان على قصره مطلع حياةٍ جديدةٍ, ونواةً لنهضةٍ تولاها عاهل مصر بالسقي والرعاية من بعدهم.