للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاد وعاشر طوائف الناس بعقل حاضر، وتنبه قائم وضبط جيد حتى عرف العوائد المختلفة، والأهواء المتشعبة وميز الحسن منها، وتخلق به يكون بالضرورة أكثر أدبا ممن قرأ وخالط، ولم يطف وممن قرأ وطاف ولم يعاشر، وموافقة جميع الناس أمر غير ممكن، فإن الدين والعقل يمنعان من ارتكاب أمور لا يسر بعض ذوي الأهواء غيرها، وأولئك هم السفهاء الذين لا ألباب لهم، فهم بمنزلة قشور الأشياء التي لولا لبها لم تصلح إلا للنار، أو ما أشبه".

وكتب في التخلق ببعض الأخلاق، فقال:

غير خاف أن التخلق بالكبر والخيلاء والعجب، والتعاظم على الناس بما أفضل الله به على الإنسان من علم وجاه ومال أمر غير حسن، لما حيلت عليه النفوس من الأباء، والنفرة عمن يتعاظم عليها، فما أكثر ما بدل حسن الود، والتآلف بأشنع العداوة والتنافر، لكن لذلك موضع يكون فيه حسنا.

وبيانه أن من المشاهد كون النوع الإنساني محتاجا في حسن تعيشه، وتحصيل أغراضه إلى ألفة ومودة، وإنصاف بأن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، فإذا خرج بعض الناس من الجمعية، وسعى في الأرض فسادا، وجب على الناس تأديبه بما يعيده إلى الصلاح، وربما كان التكبر والزهو عليه أنكى له وأرجى لمئاب فكره، وانحيازه إلى حيز الاستقامة، كما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فارسا من أصحابه يمشي بين الصفين مختالا يميل يمينا وشمالا، فقال: "هذه مشية يكرهها الله تعالى إلا في هذا الموضع"، فقد علمنا أن للتكبر موضعا يكون فيه حسنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>