ومنحه مرتب التدريس بالأزهر على أن يلقي درسا في جامع الزاهد "بجهة باب البحر" بين المغرب والعشاء، فيجمع بينه وبين التدريس بمدرسة "عباس باشا الابتدائية"، فكان يؤم درسه الأدباء والفضلاء، وحين كان مدرسًا بهذه المدرسة تأخر قليلا عن الموعد المقرر، فاستدعاه الناظر فكان جوابه تقديم الاستقالة، ومما أثر عنه أنه قال: ذهبنا إلى المدارس، فوجدناها نظاما بلا علم، وجئنا إلى الأزهر فوجدناه علما بلا نظام، فآثر العلم على النظام وتولى "المرصفي" التدريس في الأزهر.
وكان الناهضون بالأزهر الراغبون في ترويج الآداب العربية به، قد اتجهت عزائمهم إلى التوفر على دراسة الأدب العربي في الأزهر، وبذل عناية خاصة به بعد أن كان نافلة ينساق الحديث إليه استطرادًا.
فلما نهض المرحوم الشيخ "محمد عبده" بإصلاح الأزهر، ومكن من تنفيذ خطط الإصلاح فيه، وكان من أجل ما عني به توسيع آفاق الأدب العربي في الأزهر، والعمل على أن يأخذ الأزهريون بحظ غير يسير منه، فاقترح أن يطلب من ديوان الأوقاف مبلغا لترقية التعليم في علوم اللغة العربية، وأجيب هذا الطلب، وقرر مبلغ مائة جنيه سنويا لهذا الغرض١.
وكان الشيخ "سيد المرصفي"، قد اشتهر بالتمكن من الأدب العربي، والاضلاع في علوم اللغة العربية، فعهد إليه بتدريس كتاب "الكامل للمبرد"، ثم درس "الأمالي لأبي علي القالي"، "والحماسة لأبي تمام"، كما درس غيرها من كتب اللغة العربية، والأدب العربي وزيد مرتبه عن غيره من المدرسين لاضطلاعه بتدريس الأدب، ثم جمع بين التدريس في الأزهر، والتدريس بمدرسة السلحدار الابتدائية، ولما عين الشاعر العالم "الشيخ عبد الرحمن قراعة" مديرا للأزهر، والمعاهد سعى في منحه عضوية جماعة كبار العلماء، "والمرصفي" فيما نعلم أول عالم أزهري تمحض درسه للأدب في الأزهر.
١ تاريخ الإمام الجزء الثالث ص٥٩٢ من تأبين الشيخ أحمد أبي خطوة.