هؤلاء العلماء عرفوا ذلك كله فيما توافد إليهم من التاريخ، والأدب فهم يعرفون أن موقف النبي صلى الله عليه وسلم من الشعر، وموقف الخلفاء منه لم يكن بغضا كله ولا حبا كله، لم يرتاحوا للشعر في كل حال، ولم ينكروه وينفضوا عنه في كل حال، بل اهتزوا لما دعا منه لنصرة الدين، ومكارم الأخلاق وحض على المروءة والوفاء، والنجدة والأخذ بأسباب الفضائل، وارتاحوا لما كان غزلا عفيفا، وهوى بريئا لا يفضح النساء، ولا يكشف عن العورات ولا يتصل بالأعراض، بل يرمي إلى نبل الغاية وبراءة الهوى، وعفة القصد ولا يراد منه امرأة خاصة يكون الحديث عنها قذفا، وإفحاشا.
اهتزوا لهذا كله ولكنهم لم يستمعوا للشعر المفحش، ولم يطربوا لما تدلى إلى ضعة الأخلاق، ودناءة الأغراض.
فعلماء الأزهر الذين هم ورثة الأنبياء، والقائمون على دين الله سلكوا طريق الشعر على هذا النهج، وأباحوا منه لأنفسهم ما أباحه الإسلام، وحرموا منه على أنفسهم ما حرمه الدين، فنظرهم إلى الشعر فيه تقية وتورع، ومن ثم خلا شعرهم غالبا مما ينافي هذه المبادئ، ويحيد به عن الجادة.
ومن كانت رسالته بهذه المثابة، ومكانته على هذا الوضع، ونظرته في هذا الأفق لا يسمح لنفسه أن يشبب فيفحش، أو يهجو فيقذع، أو يمدح فيتضع أو يمعن في الحديث عن المحرمات والمجاهرة بالدعوة إلى الخمر، وهو العليم بأن ذلك تأثم واستهتار، فإن استجابت نفس بعض منهم لدواعي الشعر، وترنحت أعطافه بهوى ذلك الفن، وانساق في شعره مساق غيره من غير المتحرزين، فإنما يخفي ما يقوله ويكتمه عن الناس، وما ذلك فيهم إلا أقل من القليل.
وإني لأسائل نفسي هل كان شعراء الأزهر من فطرة غير فطر الناس، وهل خرجوا عن طبيعة البشر، فكان لهم إحساس خاص؟ هل يجمدون