حيث ترق العواطف، وينقبضون إذ ينطلق المحيا، ويعبسون للجمال إذا ابتسم له فم الزمان؟ هل مكنوا من الحواس والمشاعر فحرموها حسن التعبير، وعاشوا بها دون شرح وتصوير؟ هل حبسوا الخيال أن يطير في مجاليه، والقلب فلم يخفق بحب من يستهويه؟
أنا أفهم أن فريقا من شعراء الأزهر أحنقهم بعض الناس، فامتلأت نفوسهم بغضا له فهجوه، وصوروا بغضهم في شعر لاذع وهجر مرير، ومنهم من أحب من يجدر بحبه وإجلاله، فأفاض في شرح مكارمه وتصوير خلاله، وخلع عليه من ألقاب الرفعة وحلل الكمال ما يشاء الشعراء، ومنهم من ترنحت عواطفه لمعاني الجمال، وخفق فؤاده لإشراق القسمات ونور المحيا، وحومت روحه حول الخرد الغيد والظباء الكنس، وعبر عن ذلك بصور من شعره، وألوان من فنه -لم يكونوا جمادا ولا تماثيل ولم تكن لهم قلوب من الحجارة، ولا عواطف من غير عواطف الناس، هم أحبوا كما يحب كل إنسان، وهووا كما تهوى كل روح، وائتلفوا مع بعض الخلائق كما يأتلف كل خليل مع خليله، ولكن حبهم حب فضيلة ونبل، وهواهم هوى عفة وشرف، وغزلهم غزل كمال محتشم، وصبابة مخدرة، يتخيلونه في مطلع القصائد حينا، ويعبرون به عن شعورهم حينا آخر.
ولقد كان العلماء الشعراء في حيرة من أمرهم، فدينهم يدفعهم إلى التوقر وعواطفهم تحضهم على العزل والتشبيب، وحياة أمثالهم "تتطلب تجاهل الحب، وعدم الانسياق فيه وغض النظر وكبت النفس، وترك ذلك لأهل الخلاعة"، ولكن ما جريرتهم، "وليس مرد العشق إلى الرأي فيملك، ولا إلى العقل فيدرك، إنما هو كما قال الشاعر:
ليس أمر الهوى يدبر بالرأ ... ي ولا بالقياس والتدبير
إنما الأمر في الهوى خطرات ... محدثات الأمور بعد الأمور
لا تدرك الأبصار مداخله، ولا تعي القلوب مسالكه، وهو كما قال