القائل -إن لم يكن طرفا من الجنون، فهو عصارة من السحر- فسواء أكان صاحبه فقيها أم دينا ورعا، أم داعرا فاجرا فهو إذا مس قلبه صرعه، وأذله:
لقد كنت ذا بأس شديد وهمة ... إذا شئت لمسا للثريا لمستها
أتتني سهام من لحاظ فأرشقت ... بقلبي ولو أسطيع ردا رددتها١
ومن ثم لم يكن لهم بد على رغم تدينهم من تصوير عواطفهم، وشرح وجدانهم بالشعر، ولكن لم يظهر من شعرهم الغزلي في أغلب الأمر إلا ما نقيت صفحته وطهر غرضه وشرف مغزاه، وعسى أن يكون من ذلك ما يقوله "عبد الله باشا فكري"، أحد شعراء الأزهر ممثلًا إلى حد كبير براءة شعره الغزلي، ومجانبة الإفحاش والإسراف، وذلك حيث يقول:
ما أحيلي يوم اجتمعنا بروض ... أوردتنا ظلا ظليلا غصونه
كان فيه الرقيب غير قريب ... والزمان الخئون نامت عيونه
فهجرنا مر المدامة فيه ... بحديث مستعذب مضمونه
إن في سكرنا من اللفظ واللحـ ... ـظ غناء عما تدير يمينه
فقد تهيأ له لقاء الحبيب في الروض الناضر وظل غصونه الظليل، وليست عين الرقيب قريبة، فترى ما عساه أن يكون بين المحب وحبيبه من لهو الهوى، وعبث الغرام، ولكنه كان في صون وتحرز وهجر "مر المدامة" إلى عذب حديثه، وآثر "السكر" من لفظه ولحظه على سكر الكأس تديرها يمينه.
"وعبد الله فكري باشا"، هو الذي يحدث في شعره بأن أسباب الفتنة تواتت له، وتيسرت له بالمحب مفاتن تغري النفس، ومباهج تنحل معها أواصر العفة والتصون، ولكنه لم يجاف الشرف، ولم ينأ عن التعفف، وذلك حيث يقول:
١ من مقال للأستاذ أحمد أمين بك في مجلة الثقافة عدد ٣٦٤ بعنوان "إمامان فقيهان عاشقان" هما "محمد بن داود الظاهري، وعلي بن حزم".