المجلس، فكان يجانس ويشاكل كل جليس بما يدخل عليه السرور في الخطاب، ويخلب عقله بلطف محادثته كما يفعل بالعقول الشراب١.
ولما أنشأ الفرنسيون ديوانا للقضاء بين المسلمين عين في كتابة التارخي لحوادث الديوان، وما يقع فيه؛ لأن الفرنسيون كانت لهم عناية بالغة بتسجيل الحوادث يوما فيوما، وتدوين ما يجري منها في الدواوين، ومقر أحكامهم ثم يجمعون هذه الحوادث، ويطبعون منها نسخا يوزعونها على الجيش في مختلف مواضعه ومواطنه في الأمصار والقرى، فلما رتبوا ذلك الديوان كان الخشاب هو الذي يتولى كل ما يتصل بعمله، وظل ف يهذه الوظيفة إلى أن ولي "جاك منو"، وعلى رغم ذلك لم يتخل عن التكسب بالشهادة في المحكمة.
ولما عاد المرحوم "الشيخ حسن العطار" من طوافه بالبلاد التي كان قد ارتحل إليها امتزج بالخشاب، فصفا ودهما وطابت مخالطتهما، وصارا لا يفارق كل منهما صاحبه حتى ليحدث "الجبرتي"، بأنهما كثيرا ما كانا يبيتان معا، ويقطعان الليل بحديث أرق من نسيم السحر، وألطف من اتساق نظم الدرر، وكثيرًا ما كانا يتنادمان بداره لما بينهما من الصحبة الأكيدة، والمودة العتيدة ثم يتجاذبان أطراف الكلام، فيجولان في كل فن من الفنون الأدبية والتواريخ والمحاضرات.
ومع أن "الخشاب" أدرك في أواخر حياته "محمد علي باشا"، نراه لم يل في عهده عملا من الأعمال مع شهرته الأدبية، وبعد صيته في البيان؛ لأن والي مصر لم يكن إلى هذا العهد قد اتجه إلى استصناع الأدباء والشعراء، إذ كان مصروفا لغير ذلك من شئون الدولة، وإصلاحها الداخلي، وتأثيل ملكه الذي خلفه المماليك منهوك القوى محلول العزائم.
وبرح الداء "بالخشاب" فلزم فراشه حتى غلبه المنون في يوم السبت ثاني شهر ذي الحجة من سنة ثلاث ومائتين وألف من الهجرة.