للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جزع عليه صديقه الوفي الشيخ "حسن العطار"، وجمع ما تفرق من شعره، فأودعه ديوانًا طبع في الآستانة.

شعره:

"الخشاب" أقدم شعراء العصر الحديث، وأقلهم حظا من الحضارة الغربية التي وفدت إلى مصر، ونبهت الأذهان والقرائح بعد أن استقر الحكم "لمحمد علي"، وأبنائه واتصلت مصر بالغرب اتصالا مختلفا، ولم يكن "الخشاب" قد تعلم اللغات الأجنبية، فيستعين بها على الاطلاع على ثقافة الغرب، وعلمه الجدي فتتسع مداركه وتترامي آفاقه خياله، وتأتيه من هذه الآداب سهولة الطبع ورقة التعبير، وعلى رغم ذلك يتسم شعره بالوضوح والسلاسة، ومجانبة التعقيد والإقلال من البهرج والطلاء، وهذه ظاهرة واضحة في شعره، فهو لم يتهالك على البديع، ولم يكلف بالصناعة ولم يتورط فيما تورط فيه غيره من الشعراء الصناع على قربه من الشعر الضعيف المنحل في عهد المماليك، ووثيق اتصاله بآداب ذلك العصر الواهن المتخاذل.

والذي يبدو أن في طبع "الخشاب" ميلا فطريا إلى الإشراق، والوضوح والبعد من التعمل، وقد تهيأ له من الاتصال بالفرنسيين في مصر ما طوع أدبه، وجلى شعره، ونحا به نحو السهولة والانطلاق، فقد أقاموه في ديوان القضاء أمينا لمحفوظاته، وكاتبا سلسلة التاريخ فيه ومسجلا لأحداثه تباع، وعاش طول حياته شديد المخالطة للكبراء والأمراء، والعظماء بين منادمة ومطارحة ومفاكهة، ولا ريب أن ذلك كله هيأ له تطويع أدبه، وسهولة قريضه وإشراق ديباجته، وصفاؤه من التعقيد والزخرف والصنعة.

وقد حدث "الجبرتي" أنه علق شابا من رؤساء كتاب الفرنسيين كان لطيف الطبع جميل الصورة عالما ببعض العلوم العربية، مائلا إلى اكتساب النكات الأدبية، فصبيح اللسان العربي يحفظ كثيرًا من شعر العرب، فلتلك المجانسة مال كل منهما للآخر، ووقع بينهما تواد وتصاف حتى لا يقدر أحدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>