فهذه أبيات عذبة سائغة لا تعقيد فيها ولا التواء، لم تشبها شائبة الصنعة، ولم يفسد جمالها المحسن البديعي الذي أسرف العصر في تناوله، وتاه في فيافيه.
هذا إلى ما ذهب إليه من غزو الفجر جيش الليل وانهزام عساكره، وقدوم صاحبه وصد أشرق جبين الصبح يبدو عليه من شغفه آثار معترك، وتشبيهه في حلته التي كأنها من أديم الليل تلمع فيها الأنجم التي رصعتها وحلتها بالبدر أشرق نوره، وحفت نجوم الدجى به في الليل الحالك الذي وثق سواده وأحكم.
هذا ويجوز أن تكون كلمة شغف محرفة، وأصلها "شفق" أي أن صاحبه وفد إليه، وعلى جبين الصبح آثار معترك من الشفق، لما بينهما من المنازعة والمغالبة، ويستأنس له بما ذهب إليه من قبل من غزو الفجر جيش الليل، وانهزام عساكره.
غير أنا نلاحظ أن الشاعر وصف جبين الصبح بلفظ مشرقة، فلم يطابق بين الموصوف والصفة في التذكير والتأنيث، وكان يجب أن يقول "مشرق" ففي اللسان "الجبين يذكر لا غير"، إلا أن يقال: إنه أنث الوصف باعتبار الجبين جبهة، وبذلك تتأتى المطابقة أو جرى على ما يذهبون إليه من أن كل ما لا يعقل يجوز تذكيره وتأنيثه؛ أو تقول: إن كلمة آثار فاعل "مشرقة"، ويكون مرجع الضمير لجبين الصبح لا لفاعل جاء.
وقال في فرنسي آخر اسمه "ريج".
أدرها على زهو الكواكب والزهر ... وإشراق ضوء البدر في صفحة النهر
وهات على نغم المثاني١ فعاطني ... على خدك المحمر حمراء كالجمر
وموه لجين الكأس من ذهب الطلا ... وخضب بناني من سنا الراح بالتبر
ومزق رداء الليل وامح بنورها ... دجاه وطف بالشمس فينا إلى الفجر
١ المثاني: من أوتار العود الذي بعد الأول واحدها مثنى.