للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كله لم يحم حول تعقيد أو التواء، ولم تهده صنعة أو طلاء اللهم إلا أنه يشك المحسن البديعي شكا خفيفا، ويتناوله برفق ولطف، فيستعمل الجناس بين كلمة زهر الكواكب التي هي جمع أزهر، والزهر للذي هو النبت المعروف.

ويلهمه اسم صديقه "ريج"، فيوقع الجناس بينه منادى بالهمزة، وبين أريج الشذى، وهو إن كان بهذا الجناس المتكرر يجاري شعراء عصره، لم يظهر بمظهر المتكلف، والمتهالك عليه.

ونلاحظ على أن الشاعر عبر بلفظ تباكى لتوديع -وكان المفهوم أن يقول "بكى"؛ لأن ذلك موقف البكاء لوجود دواعيه، أما "تباكى"؛ فتعبير يفيد أن صاحبه تكلف البكاء، ومن شأن هذا الوصف أن ينفي عنه صفة التأثر بالرحيل إلا أن يقال: إن صاحبه لشدة هول التوديع جمدت عيناه، فلم تبكيا فتكلف البكاء ليوائم بين حاله، وحال المودعين وفي الحديث: $"فإن لم تجدوا بكاء فتباكوا"، أي تكلفوا البكاء وتكلف البكاء يستدعيه، وهذا الوجه يثبت لصاحب الخشاب تأثرا أبلغ من تأثره، وأنه بلغ من الحزن ما جمدت به عيناه، ولم تسمح بالبكاء إلا أن يتكلفه تكلفا.

ومما قاله يتغزل به:

يا شقيق البدر نورًا وسنا ... وأخا الغصن إذا ما انعطفا

بأبي منك جبينا مشرقا ... لو بدا للنيرين انكسفا

بغيتي منك رضاب١ ورضا ... وعلى الدنيا ومن فيها العفا٢

فهذه أبيات رقيقة عذبة حلوة الروح خفيفة المذاق لم يشبهها تعقيد، ولم تتأثر بصنعة إلا الجناس المقبول في "رضاب"، و"رضا".

وقال يمدح الشيخ "محمد الأمير" العالم الفقيه المتوفى سنة "١٢٣٢ إلى ١٨١٧".


١ الرضاب -كغراب الريق المرشوف، أو قطع الريق في الفم، وفتات المسك.
٢ العفاء: الهلاك والدروس ومن معانيه التراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>