للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمجالسة والمنادمة١"، فأفاض عليه من نعمه وأغدق عليه من كرمه، وصار شفيعا لديه فيما جل من الأمور.

وكانت له مع "عباس" نوادر ومفاكهات منها ما رواه صاحب أعيان القرن الثالث عشر، وذلك أن "شهاب الدين" كان جالسا في حجرته بأحد القصور، ومعه بعض جلساء الوالي ينتظرون الإذن بالدخول عليه، فقال في عرض الكلام.

يقولون: إن البغلة لا تحمل أفلا يكون ذلك بسبب رطوبة، أو ما أشبهها مما يمنع الحمل، وعند الأمير أطباء كثيرون فلو أنه أطال الله بقاءه أمر بعضهم بالبحث عن سبب هذه العلة وإزالتها، فلست أشك في أنها تحمل بعد ذلك وأسرع بعض العيون، فأبلغ عباسا كلامه فجاء بعد هنيهة أحد رجال القصر، وقال له: يا أستاذ يقول لك "أفندينا" أننا سنأمر بعض الأطباء بما أشرت، ولكن إذا لم تحمل البغلة ماذا يكون؟ فبهت القوم لنقل الحديث بهذه السرعة إلا شهابا، فإنه وقف وقال: أبلغ مولاي أن شهابا له كذبتان كل سنة أيام الباذنجان هذه إحداهما١.

ويرجع اتصال "شهاب الدين" "بعباس الأول" إلى ما قبل ولايته على مصر حيث كان "كتخدا" لجده، فقد كانت للشاعر تهان متعاقبة لفتت نظر "عباس" إليه، حتى إذا ما صارت الولاية إليه قربه وأدناه.

ولما صارت الولاية "لسعيد باشا" اتصل الشاعر به، وأجزل له المدح، وأزجى له التهاني في كل مناسبة إلا أنه لم يجد من خصب جنابه ما وجده من "عباس"، فقد كان الثاني أشد حدبا عليه، وتكريما له وبرًّا به.

ثم بدأ المترجم ينقطع للدرس، ويعكف على التأليف، وينشر أدبه على الناس حتى استأثر الله به.


١ أعيان القرن الثالث عشر لأحمد تيمور باشا ص١٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>