فهذه الأبيات من أجود ما قيل في شكوى الزمان صدرت من الشاعر مصورة عبث الزمان به، وتجهمه له وما يكابده من أساه الذي لا يستطاع، وما يحمله مما يشق حمله، وما لقيه من إخوان جربهم فلم ير فيهم من عليه المعول، وما سالمهم لما بدا له من تعويلهم عن نقض الصداقة ونكث العهد، وكان جميلا من الشاعر ما بينه ومن جهل الزمان من تقديم من لا يستحق، والزرارية بمن هو أولى بالجميل، وبراءة الزمان من أهل المعارف والتقى، الذين هم دولة الإسعاد لو ك ان يعقل ذلك، وتقريب أرباب الجهالة، وإيثارهم بالعلا كأنه يتجمل لاستظهارهم، فهي أبيات صادقة في شكوي الليالي، وصدق التجربة، وغدر الإخوان وعبث الزمان، كل ذلك مسوق بأسلوب غير نازل، ورصف رصين لم يتهالك على محسن ولا زخرف.
ومما قاله يمدح به النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا هتف بمدحتك الموالي ... وأنشد شعره فيك البديع
وحدث عنك من يروي حديثا ... وصاغ من الثنا ما يستطيع
فما بلغوا اليسير ولو أطالوا ... وكيف وأنت في الأخرى شفيع؟
إليك شكايتي من كل ذنب ... وحصن حماك في حرز منيع
ومن يرجوك يسعف بالأماني ... ومن قصد المشفع لا يضيع
ملأت سرادقات الكون فضلا ... وجاهك سيدي جاه رفيع
فمن للمذنبين سواك يرجى ... إذا ما استعظم الهول الفظيع؟