بل إنه بعد أن تبرأ من الفتنة العرابية، وأبان عذره في مسايرة العرابيين زاد قربا من نفس "توفيق"، وأحله مكانة ترمقها الأبصار، وترنو إليها العيون فقد شيد لنفسه قصرا "بحلوان"، وكان يتردد عليه مرتين في كل شهر، فيركب من حلوان سفينة بخارية تقله إلى ضيعة "الليثي""شرق اطفيح"، فيؤاكله ويقيم عنده، ومن ثم
عني "الليثي" بهذه الضيعة، فغرس بها أطيب الكروم والأشجار، وأقام بها قصرًا أنيقا يكون للأمير وأتباعه نزلًا.
وقد كانت هذه الضيعة مقصد الأدباء، وكعبة للشعراء والعلماء يجدون فيها غذاء للروح والجسد من ثمار، وفاكهة وطيب مفاكهة، وقد كان مسرفا في كرمه حتى أن ضيفانه ليقيمون عنده أيامًا وأشهرًا.
ولما نزل بمصر "السلطان برغش" ملك "زنجبار" انتدبه الخديو "إسماعيل" لمرافقته ومجالسته، فاتراح السلطان لخلقه، وخفة روحه وعذوبة حديثه، حتى إنه لما عاد إلى بلاده كان يمنحه الهدايا الفاخرة كل عام مما تمتاز به هذه البلاد من عنبره وغيره، فيكون لأصدقاء "الليثي"، وخلطائه من هدايا السلطان نصيب.
وإذ قضى "إسماعيل" تقلص العطف الكريم الذي كان "الليثي" في ظلاله، وانقبض "عباس" عنه، ولم يكن "لليثي" من خصب جنابه بعض ما كان له من "إسماعيل"، فعكف على ضيعته يشتغل زرعها، ويدمن الاطلاع في مكتبته الضخمة التي ما زال يضم إليها من الأسفار النادرة، وأمهات الكتب الأدبية ما طبع منها، وما نسخ حتى كان من أوفى الخزانات، وأحفلها علما وأدبا، ولم يزل كذلك إلى أن تآمرت عليه العلل، فناء بها أشهرا حتى قضى في العاشر من شعبان سنة ١٣١٣هـ، فانطوت به صفحة من الأنس والصفاء، وطول المتاع.
منادمته:
كان "الليثي" خفيف الروح، عذب الحديث، حسن المحاضرة، سريع