للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حمل الأزهر رسالة العلم في الدنيا, فاضطلع بها أشد ما يكون قوة وفتاء، فكم استفاض على العالم العربيّ بكتبه ومبعوثيه من حاملي علمه ورسل إلهامه، وما كان علم الأزهر إلّا نفوذًا إلى أغوار البحث, وغوصًا وراء الحقائق، وتجليةً للأسرار والدقائق.

ومن ثَمَّ, فإن علم الأزهر صقل الأذهان, وربَّى الملَكَاتِ, وقوَّمَ الألسن, وأخرج الحقائق كالعرائس المجلوُّة, والدر المنضد.

وكان الأزهر ولا يزال كعبةً يحج إليها الناس من أقطار الأرض، ينهلون من ورده، ويقبسون من نوره "وأعظم ما يدلنا على ما لهذا الجامع من مقامٍ عظيمٍ في العالم الإسلاميّ, هو عداد أسماء الذين يؤمونه من أقطارٍ خارج مصر, تمتد من أواسط أفريقية, إلى روسية, ومن أقاصيّ الهند إلى مراكش"١.

وقد ظل الأزهر طول حياته سوقًا للعلوم اللسانية, وسياجًا للغة الفصحى يوطدها في البلاد العربية, ويشد أزرها في مختلف أقطارها.

وكان من آثار الأزهر في مصر أن جعل لها مكانًا ممتازًا, وسلطانًا أدبيًّا, وزعامةً موفورةً على البلاد العربية, والشعوب الشرقية, وأصبحت هذه الأقطار تنظر إلى مصر نظرها إلى الهادي المرشد, وتعترف لها بالفضل وعُلُوِّ المكانة, وتوفد بعوثها إلى هذا الخضم الزاخر, تنهل من علمه وثقافته.

وعلى كل حالٍ, إن للأزهر وحده الفضل في صيانة العلم في هذه البلاد على طول ما حلَّ بها من المحن, وما عصف بها من ألوان الفتن، ولقد كان هو الينبوع الذي نهلت منه النهضة العتيدة, واستمد منه العلم الحديث٢.

والأزهر خير معهدٍ خَرَّجَ أدباءً وكتابًا وشعراءً، وقد نبغ منه قوم هم


١ دائرة المعارف للبستاني ص٦٥.
٢ المفصل في تاريخ الأدب العربي جـ٢ ص٣٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>