للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهاميم البلاغة, وعرانين الفصاحة١ وكم لقيت آثارهم من الآذان استماعًا, ومن القلوب انتجاعًا.

خَرَّجَ الأزهر من مدرسته الصحفيَّ البارع, والخطيب الساحر, والسياسيَّ الداهي, والمصلح الخطير، ودرج على ربوعه قوّاد مصر في نهضتها وثورتها, وبناة مجدها, وحماة تراثها, كل نابهٍ اغترف من فضله, وارتوى من بحره, واغتذى بثقافته, فإما عكف على طريقه حتى أتمه, وإما وجهته هذه التنشئة, ومكنته تلك البداية, من النهوض بما يحفل به من رسالة, وهو أبلغ ما يكون قوة, وأتمّ ما يكون أهبة, فالأزهر موئل العظمة في شتى النواحي, بطريق مباشر أو غير مباشر.

وذلك الفضل العظيم, وهذ المكانة السامقة, هي التي هيأت لرجال الأزهر من مطالع عهده إلى اليوم, جلالةً تغشى العيون, وقدسًا يملأ الصدور, وسَعَتْ بهم إلى مكان القيادة والتوجيه, ومنحتهم من بلاغ القول, ونفوذ الكلمة, وزعامة الرأي, ما ضمن لهم الإمامة, وفرض لهم الصدر, ومكنهم من القيادة والإرشاد, وجعل لهم من مهابة الرأي أن يفصلوا في جلائل الأمور, وأخطر الشئون, وأن يمتدوا بنفوذهم أحيانًا إلى مصاير العروش والسلاطين.

وكل معهد من معاهد الدنيا طامن من عظمته ما يصيب الدولة من أحداث وضعف وتفكك وانحلال, فخبت شعلته, وتقلص ظله, وتعثرت رسالته, أما الأزهر: فقد ظلَّ على تراخي الحقب, أنْوَطَ بالحياة وأعلق بالمجد؛ لأنه سخر من المحن, وعبث بالنازلات, ومضى في طريقه قدمًا, لا يلوي على شيء حتى استقام له ما يرمي إليه من شيوع الرسالة, وإعزاز الدين, وحفظ اللغة, ونهوض العلم.

وقد يكون من العدل أن تقرر: أن الأزهر يتأثر بعض التأثر بعوامل الخمول


١ لهاميم الناس: أشياخهم ونخباؤهم, جمع: لهموم, وله معانٍ كثيرة؛ منها: كثير الخير, والعرانين, جمع عرنين, وهو الأنف كله, أو ما صلب من عظمه, ومن كل شيء أوله, والسيد الشريف "قاموس".

<<  <  ج: ص:  >  >>