للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودرَّس لهم معلمون جلبهم لها من بلاد الإفرنج١.

ويقول كلوت بك في تقريره: "فقد اختير هؤلاء التلاميذ من بين الطلاب المترددين على الأزهر والمساجد الأخرى".

وكان كثيرٌ من الناس يرى أن التشريح لا يتفق مع الدين الإسلاميّ الذي يرعى حرمة الموتى, وبالغ بعض الكتاب فزعم أن الحكومة تأتي بمدرسة الطب إلى "أبي زعبل" لإبعادها عن أنظار المسلمين الذين يبغضون تشريح الموتى, ولكن الأزهر لم يقف في سبيل العلم, فأباح وسائله؛ إذ استعان كلوت بك مدير المدرسة بعلمائه, ودعاهم إلى المدرسة فلبوا دعوته, وخطبوا بها.

ولا يذهب عن مؤرخ الأدب في العصر الحديث أن يضيف أكبر الفضل في انبعاث اللغة العربية واتصالها بالعلم والفن الحديثين إلى هذه المدرسة٢.

وذلك أن آداب اللغة العربية كانت إلى ذلك الحين غير متابعة للآداب الغربية التي توافيها قرائح الغرب كل يوم بجديد, ولم يكن من الميسّر الوقوف على ما يساوق العلوم الحديثة؛ من ألفاظ وصيغ ومصطلحات, وكانت لغة الدراسة بمدرسة الطب أجنبيةً, فاضطر المترجمون أن يقوموا بين الأساتذة والتلاميذ, فنيقلوا درسوهم إلى العربية, وهنا يقوم نبهاء الأزهر في هذه المدرسة بجهدهم الجبّار؛ إذ يقلبون في معاجم اللغة العربية, ويفتشون في الكتب العلمية القديمة؛ ليعثروا على الصيغ والمصطلحات التي تلائم الصيغ والمصطلحات الغربية, فنشروا ثروةً لغويَّةً كانت مطويةً, وواءموا بين اللغتين ما واتاهم الجهد في التعبير والأداء.

هذا عدا ما كانوا يبذلونه من تصحيح هذه الدروس بعد نقلها إلى العربية, فقد كان يقوم على تصحيح الدروس التي ينقلها إلى العربية هذا المترجم الأزهريّ


١ الخطط التوفيقية ج٣ ص٨٨.
٢ المفصل في تاريخ الأدب العربي ج٢ ص٢٩٤

<<  <  ج: ص:  >  >>