للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ أعني الدعاءَ ـ بما صرَّح به في آخر الآية وجعل العبادةَ مكان الدعاء تفسيراً له وإيضاحاً لمعناه، وبياناً لعباده بأنَّ هذا الأمرَ الذي طلبه منهم وأرشدهم إليه هو نوعٌ من عبادته التي خصَّ بها نفسَه وخلق لها عباده كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} ١، ومع هذا كلِّه فقد جاءت السنة المطهرةُ بما يدلُّ أبلغ دلالة على أنَّ الدعاءَ من أكمل أنواع العبادة ... "٢، ثمَّ ذكر رحمه الله ما يدل على ذلك من السنة.

إنَّ الواجبَ على كلِّ مسلمٍ أن يدركَ خطورةَ الأمر، وأن يعلمَ أنَّ هذا حقٌّ خالصٌ لله عزَّ وجلَّ لا يجوز أن يُشرَك معه فيه غيرُه، وكيف يُشرَك المخلوقُ الضعيفُ العاجزُ بالملِكِ العظيم الذي بيده أزمَّةُ الأمور، المتفرِّدُ بإجابةِ الدعاءِ وكشف الكروب، الذي له الأمرُ كلُّه، وبيده الخيرُ كلُّه، وإليه يرجعُ الأمرُ كلُّه، لا مُعقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقضائه، الذي ما تعلَّق به ضعيفٌ إلاَّ أفاده القوَّةَ، ولا ذليلٌ إلاَّ أناله العزَّةَ، ولا فقيرٌ إلاَّ أعطاه الغنى، ولا مستوحشٌ إلا آنسَه، ولا مغلوبٌ إلاَّ أيَّده ونصره، ولا مضطرٌ إلاَّ كشف ضُرَّه، ولا شريدٌ إلاَّ آواه، فهو سبحانه الذي يجيب المضطرِّين، ويغيثُ الملهوفين، ويُعطي السائلين، لا مانعَ لما أعطى، ولا مُعطي لما منع، لا إله إلاَّ هو الملكُ الحقُّ المبين.


١ سورة الذاريات، الآية: (٥٦) .
٢ رسالة في وجوب توحيد الله عزَّ وجلَّ، للشوكاني (ص:٥٦ ـ ٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>