للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبداً، ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانُه بحسبه، فتأمَّل أسرارَ القرآن وحكمته في اقتران الخِيفَةِ بالذِّكر، والخُفيةِ بالدعاء.

... وذكرَ الطمعَ الذي هو الرجاءُ في آية الدعاءِ؛ لأنَّ الدعاءَ مبنيٌّ عليه، فإنَّ الداعيَ ما لَم يطمع في سؤالِه ومطلوبِه لَم تتحرَّك نفسيتُه لطلبه؛ إذ طَلَبُ ما لا طمعَ له فيه ممتنعٌ.

وذَكَرَ الخوفَ في آية الذِّكرِ لشدَّةِ حاجة الخائف إليه، فذكَرَ في كلِّ آيةٍ ما هو اللائقُ بها من الخوفِ والطمعِ، فتباركَ مَن أنزلَ كلامَه شفاءً لِمَا في الصدور "١. اهـ كلامُه رحمه الله.

وإذا كان الجهرُ بالدعاءِ يترتَّبُ عليه ما تقدَّم من فواتٍ لتلكَ المصالحِ والفوائدِ إن كان صادراً من فردٍ، فلا ريبَ أنَّ صدورَه من جماعة وبأداءٍ واحد أبلغُ في تفويتِ تلك المصالحِ والفوائد المترتِّبةِ عليه وكان السلفُ رحمهم الله يعدُّون ذلك نوعاً من الإحداث في الدِّين والخروج عن نهج سيِّدِ المرسَلين.

روي عن مجالد بن مسعود السلمي رضي الله عنه: أنَّه سمع قوماً يعجُّون في دعائهم، فمشى إليهم، فقال: أيُّها القوم، لقد أصبتُم فضلاً على مَن كان قبلكم، أو لقد هلكتم، فجعلوا يتسلَّلون رجلاً رجلاً حتى تركوا بُقعتَهم التي كانوا فيها "٢.

فالله وحده المستعان، وهو ولِيُّ التوفيق والسداد.


١ مجموع الفتاوى (١٥/١٩ ـ ٢٠) .
٢ أورده السيوطي في الدر المنثور (٣/٤٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>