للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاسدِ، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: {لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} ١ الآية.

فهذه جملةٌ من الفوائدِ العظيمةِ والثمارِ الكريمةِ التي تترتَّبُ على إخفاءِ الذِّكرِ وعدمِ الجهرِ به، ومِن خلالها يظهرُ للمسلم أهميَّةُ إخفاءِ الدعاء وإسرارِه، بخلاف الجهرِ به وإعلانِه، فإنَّه يترتَّبُ عليه ضِدُّ ذلك.

ثمَّ إنَّ شيخ الإسلام رحمه الله عقَدَ مقارنةً مفيدةً بين الذِّكرِ والدعاءِ في هذا الباب، بعد أن بيَّنَ أنَّ كلَّ واحدٍ من الدعاء والذِّكر يتضمَّن الآخرَ ويدخل فيه، قال رحمه الله: " وتأمَّل كيف قال [تعالى] في آيةِ الذِّكر: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضُرُّعاً وَخِيفَةً} ٢، وفي آية الدعاء قال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} ٣، فذكر التضرُّعَ فيهما معاً، وهو التذلُّلُ والتمسكنُ والانكسارُ، وهو روحُ الذِّكر والدعاء.

وخصَّ الدعاء بالخُفية لِما ذكرنا من الحِكَم وغيرها، وخصَّ الذِّكرَ بالخِيفَة لحاجة الذَّاكر إلى الخوف، فإنَّ الذِّكرَ يستلزم المحبَّةَ ويُثمرُها، ولابدَّ لِمَن أكثرَ من ذكر الله أن يُثمرَ له ذلك محبَّتَه، والمحبَّةُ ما لَم تقترن بالخوفِ فإنَّها لا تنفعُ صاحبَها بل تضرُّه؛ لأنَّها توجبُ التواني ... فما حفظت حدود الله ومحارمه، ووصل الواصلون إليه بمثلِ خوفِه ورجائه ومحبَّتِه، فمتى خلا القلبُ من هذه الثلاث فسد فساداً لا يُرجى صلاحه


١ سورة يوسف، الآية: (٥) .
٢ سورة الأعراف، الآية: (٢٠٥) .
٣ سورة الأعراف، الآية: (٥٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>