الصوتِ يفرقه، فكلما خفض صوتَه كان أبلغَ في تجريدِ همَّته وقصدِه للمدعو سبحانه.
سادسها: أنَّه دالٌّ على قربِ صاحبِه للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، ولهذا أثنى الله على عبدِه زكريا بقوله:{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} ١، فلمَّا استحضر القلبُ قُرْبَ الله عزَّ وجلَّ، وأنَّه أقربُ إليه من كلِّ قريبٍ أخفى دعاءَه ما أمكنه.
سابعُها: أنَّه أدْعى إلى دوامِ الطلبِ والسؤال، فإنَّ اللسانَ لا يمَلُّ، والجوارحَ لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوتَه، فإنَّه قد يملُّ اللسان، وتضعفُ قواه، وهذا نظير من يقرأُ ويكرِّر، فإذا رفع صوتَه فإنَّه لا يطول له، بخلاف مَن خفض صوتَه.
ثامنها: أنَّ إخفاءَ الدعاء أبعدُ له من القواطعِ والمشوشات، فإنَّ الداعيَ إذا أخفى دعاءَه لَم يدرِ به أحدٌ، فلا يحصلُ على هذا تشويشٌ ولا غيره، وإذا جهر به فرطت له الأرواحُ البشريَّة ولا بدَّ، ومانعته وعارضته، ولو لَم يكن إلاَّ أن تعلقها به يُفزع عليه همتَه، فيضعفُ أثرُ الدعاء، ومَن له تجربةٌ يعرف هذا، فإذا أسرَّ الدعاءَ أمِن هذه المفسدةَ.
تاسعُها: أنَّ أعظمَ النعمةِ الإقبالُ والتعبُّد، ولكلِّ نعمةٍ حاسد على قَدرِها، دقَّت أو جلَّت، ولا نعمةَ أعظمُ من هذه النعمةِ، فإنَّ أنفسَ الحاسدين متعلِّقةٌ بها، وليس للمحسود أسلمُ من إخفاءِ نعمتِه عن