ينبغي على المسلم أن يعلم أنَّ لفظ الوسيلة والتوسل صار فيه إجمالٌ واشتباه في إطلاقات الناس وفهومهم بسبب كثرة الأهواء وانتشار البدع، ولهذا فإنَّ الواجبَ أن تُعرف معانيه ويُعطى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه، فيُعرف ما ورد به الكتابُ والسنة من ذلك ومعناه، وما كان يتكلّم به الصحابةُ ويفعلونه من ذلك، وأيضاً ينبغي أن يُعرف ما أحدثه المحدِثون في هذا اللفظ ومعناه، إذ إنَّ المفاهيم الخاطئة في هذا الباب قد كثُرت، والأهواء والبدع فيه عمّت وانتشرت، فأُدخل في معنى التوسل أمورٌ كثيرةٌ محدثةٌ لا أصل لها ولا أُسُسَ، لَم تكن موجودةً زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تكن معروفةً في شيء من الأدعية المشهورة بينهم.
وأخطرُ ما كان ويكون في هذا الأمرِ هو دعاءُ الأموات والغائبين والاستغاثةُ بهم وسؤالُهم وإنزالُ الحوائج بهم، وطلبُهم قضاءَ الحاجات، وكشفَ الكربات، وشفاءَ المرضى ونحو ذلك، وتسميّة ذلك توسلاً، فجعل هؤلاء لفظ التوسل متكأً لهم نشروا من خلالِه هذه الأمور الكفرية والضلالات الخطيرة، وحقيقةُ هذه الأمور أنَّها توسُّلٌ إلى الشيطان لا إلى الرحمن وإلى الضلال والباطل لا إلى الحقِّ والهُدى؛ إذ هي من الشرك الأكبر الناقل من الملّة والعياذ بالله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وإن قال أنا أسأله لكونه أقربَ إلى الله منِّي، ليشفع لي في هذه الأمور؛ لأنِّي أتوسل إلى الله به كما يُتوسَّل إلى السلطان بخواصِّه وأعوانه، فهذا من أفعال المشركين والنصارى، فإنَّهم يزعمون أنَّهم يتخذون أحبارَهم ورهبانهم شفعاء يستشفعون بهم في مطالبهم، وكذلك أخبر الله عن المشركين أنَّهم قالوا