ولا شك أنَّ الدعاءَ من جملة العبادات، بل هو أفضل أنواع العبادة، فصَرْفُه لغير الله شرك، وتسمية ذلك توسلاً لا يغير من حقيقة الأمر شيئاً، فمن دعا المخلوقين من الموتى والغائبين واستغاث بهم كان مشركاً بالله العظيم وخسر الخسران المبين.
ولقد فتح هؤلاء بهذه الضلالات الطريق أمام أعداء الدين لنشر ضلالهم، وإنفاذ باطلهم، والدفاع عن عقائدهم، والكيد للمسلمين، وإليكم قصةً عجيبةً فيها تجليةٌ لهذا الأمر وبيانٌ لخطورته: لقي ثلاثةٌ من الرهبان شيخَ الإسلام ابن تيمية فناظرهم رحمه الله وأقام عليهم الحجةَ بأنَّهم كفار، وأنَّهم ليسوا على ما كان عليه إبراهيم وعيسى عليهما السلام، فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون: أنتم تقولون بالسيدة نفيسة، ونحن نقول بالسيدة مريم، وقد أجمعنا نحن وأنتم على أنَّ المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذين قبلكم ونحن كذلك. فانظر أخي المسلم كيف فتح هؤلاء الطريق أمام أعداء الدين عندما شابهوهم في العمل وابتعدوا عن روح الإسلام وحقيقته.
ولهذا أجاب شيخ الإسلام هؤلاء الرهبان بقوله: إنَّ مَن فعل ذلك ففيه شبهٌ منكم، وهذا ما هو دينُ إبراهيم الذي كان عليه، فإنَّ الدين الذي كان عليه إبراهيم عليه السلام أن لا نعبد إلاَّ الله وحده لا شريك له ولا نِدَّ له ولا صاحبة ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكاً ولا شمساً ولا قمراً ولا كوكباً، ولا نشرك معه نبياً من الأنبياء ولا صالحاً، وذكر رحمه الله أموراً بيّن فيها حقيقةَ توحيد الأنبياء والمرسَلين بخلاف ما عليه