وبهذا يتبيَّن أنَّ الشيطانَ يتنقَّلُ بهؤلاء في طريق الباطل عبر مراتبَ عديدة، ودرجات متنوِّعة إلى أن يصلَ بهم إلى غايةِ الباطلِ ومنتهاه، فيبدأ معهم عدوُّ الله أولاً بدعوتهم إلى تعظيم الصالحين تعظيماً مبتدعاً بالبناء على قبورهم أو اتخاذ تصاويرَ لهم أو نحوِ ذلك، فإذا فعلوا ذلك نقلَهم إلى ما هو أعظمُ من ذلك، وهو الإقسام على الله بهم، وشأنُ الله أعظمُ مِن أن يُقسم عليه أو يُسأل بأحد مِن خلقه، فإذا تقرَّر ذلك عندهم نقلَهم مِن ذلك إلى دعائِهم وعبادتِهم وسؤالهم الشفاعةَ مِن دون الله واتخاذِ قبورهم أوثاناً يُعكفُ عليها، وتُعلَّقُّ عليها القناديلُ والستورُ، ويُطاف بها وتستلم وتُقبَّل ويحجُّ إليها ويُذبحُ عندها، فإذا تقرَّر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعاء الناس إلى عبادتها واتخاذها عيداً ومَنسكاً ورأوا أنَّ ذلك أنفعُ لهم في دنياهم وأُخراهم. فإذا تقرَّر ذلك عندهم نقلهم منه إلى التحذير ممَّن ينهى عن ذلك ووصفِه بأنَّه يتنقَّص الصالحين ويحطُّ من أقدارهم ولا يُعظِّمهم ونحو ذلك، ومعلوم أنَّ ذلك ليس من التعظيم في شيء؛ بل من البهتان المبين والكفرِ الصريحِ والضلالِ العظيمِ.
إنَّ بابَ التعظيم عندما لا يُضبطُ بالضوابط الشرعية، ولا يتقيَّدُ فيها بنصوص الكتاب والسنةِ يوقِعُ الإنسانَ في صنوف من الخطأ وأنواع من الضلال، يتوهَّمُ أنَّها من التعظيم وليست كذلك، والشرعُ المطهَّرُ قد دلَّ على مشروعيةِ تعظيم الأنبياء والأولياء والصالحين في حدودٍ معيَّنةٍ، دون رفعٍ لهم عن منزلتهم التي أنزلهم الله إيَّاها، فمَن عظَّمهم بغير ما حُدَّ في الشرعِ وأتت به الأدلةُ فقد جاء بضدِّ التعظيم ونقيضِه، ولهذا قال